مشروع برنامج الإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي في المنظومة التربوية : التربية الوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ

سبتمبر 08, 2014 سبتمبر 08, 2014
-A A +A
تعليم بريس :
"مشروع برنامج الإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي في المنظومة التربوية:التربية الوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ"

إعداد : د. محمد الدريج
أستاذ باحث في علوم التربية – الرباط

تمهيد :
تشخيص الأزمة ومقترحات حلول
سنعمل في هذا التمهيد ،وقبل تقديم مشروعنا ، علىاستعراض مختصر لوجهات نظر تناولت بالتحليلوالنقد برامج الإصلاح التي تعاقبت علىمنظومة التعليم ببلادنا دونما جدوى تذكر، ومن بينها الميثاق الوطني للتربيةوالتكوين والبرنامج الاستعجالي ، بغرض مساءلة عوامل تعثر تلك الإصلاحات والتيتجاوزت 10 محاولة منذ 1957، وعلى تقاسم العناصر التشخيصية الأساسية للمنظومةالتربوية وتحليل أسباب اختلالاتها الكبرى، ضمن مقاربة لا تتنكر للمكتسبات وتقرّ بموضوعيةبمختلف التعثرات. آملين المساهمة في مساعي بلورة تعاقد مجتمعيّ حولمداخل التغيير ذات الأولوية ، الكفيلة بإنجاح التحول الجوهري في المدرسة المغربية.

نقدم إذن في البداية وقبل تفصيل الحديث عن مكوناتمقترحنا حول ما نسميه "بالإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي ، "نماذج من تشخيصأزمة التعليم ومقترحات الحلول والتي انتهت إليها بعض الدراسات العلمية أو التيعبرت عنها بعض الجمعيات و النقابات و برامج الأحزاب :

1- هناك من يقول بعدم توفرنا على فلسفة تربويةواجتماعية واضحة التوجهات والأهداف، تمتلك تصورا واضحا للإنسان/ المواطن الذي نريدبناءه من خلال التربية والتكوين". وعدم توفرنا علىإستراتيجية معقلنة ومخططة لمشروعنا التربوي.

وبالتالي فإننا في حاجة إلى تحديد الإنسان المغربيالمنشود ... وفي حاجة إلى سياسة أو فلسفة وطنية جديدة، تكون لها القدرة على ضمانالانخراط الجاد لجميع المواطنين و مختلف هيئات المجتمع، في الفعل الكفيل بالنهوضبقطاع التربية والتعليم."

2- وفي نفس السياق نجد منيتحدث عن ضرورة إيجاد مشروع وطني مجتمعي شامل يهم مختلف القضاياالوطنية، و تكون له القدرة على تعبئة الأفراد والجماعات للمساهمة الحقيقية فيالرقي بأوضاع البلاد المختلفة، و في مقدمتها ما يخص الشأن التربوي.

3-لا يمكن عزلإصلاح التعليم عن إصلاح البناء الاجتماعي المغربي بنظرة نسقية استراتيجية، ويلاحظ أصحاب هذا التوجه ،عدم الربط بشكل جدليديناميي وتكاملي شامل ، ما بين برامج وخطط ومشاريع التنمية والتجديد والإصلاح ،وما بين أسس ومقومات ومقاصد النظام التربوي، ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن أهم "نقائص" الميثاق الوطني للتربيةوالتكوين على سبيل المثال ،غياب النظرةالشمولية لموضوع الإصلاح ، حيث لم يندرج الميثاق في إطار منظور سياسي شامل ، معغياب ملحوظ لبلورة تصور للإنسان المنشود ولمميزات الإنسان المغربي الذي نطمح إلىتكوينه والتي كان من المفروض أن تتشخص فيسمات و كفايات عقلية ومعرفية وفي مميزات وجدانية وفي قيم المواطنة (الحريةوالمساواة والمشاركة والمسؤولية ...) "وليس قيم سيادة الرأسمال المحليو العالمي والشركات متعددة الجنسيات ..." و لم يكن بإمكان الميثاق تخليص المدرسة المغربية ،باعتبارها مؤسسة أيديولوجية ،" من الاستمرار في السهر علىدوام سيطرة الطبقة الحاكمة". لذا لم يكن بإمكان الإصلاح كما استهدفه الميثاق، أن يضمن لبلادنا استقلالها داخل مجتمع دولي تسوده هيمنة العولمة المتوحشة .

4- وهناكفي الطرف الآخر مواقع/مواقف ذات توجهات تقنية (تقنوقراطية) تنظر إلى الإصلاح في حدذاته كمعطى له أهدافه المضبوطة ومحدد في الزمان والمكان(البرنامج الاستعجالي علىسبيل المثال) ، يمكن التعامل معه كمجال خاص وبخطة /أداة مستقلة إلى حد ما وقائمةبذاتها وتؤدي ، إذا ما طبقت بأمانة ، إلى إصلاح أحوال التعليم باعتباره منظومةمتكاملة ، دونما الحاجة إلى ثورة أو قطيعة أو تغيير شامل ودونما حاجة إلىالمس بالأنظمة السياسية والاجتماعية القائمة...

5- ونجدمن يتحدث عن تعبئة داخلية عامة لإنقاذ التعليم، بروح وطنية فاعلة- متفاعلةمع المجتمع بمختلف مؤسساته. "إن كسب الرهانات الكمية والنوعية للمدرسةالمغربية يظل في حاجة إلى تعبئة مجتمعية شاملة والى نهج مقاربة تشاركية و تشاوريةعلى أوسع نطاق مع القطاعات الحكومية المعنية ومع مجلسي البرلمان ومع المنظماتالسياسية والنقابية ومع القطاع الخاص للتعليم ومع جمعيات الآباء والأمهاتوالأولياء ومع منظمات المجتمع المدني... على أساس شراكات ممأسسة، مستديمة وخاضعةللتقويم.. وينبغي أن يقترن هذا التوجه بقيام كل طرف بمسؤوليته وأن تكون هذهالمسؤولية مرتبطة بالتقويم والمحاسبة.

6- تفعيل الإصلاح التربوي رهين بتغيير ثقافتنا التربويةوممارساتنا المهنية المقاومة للتغيير و رهين أيضا بتدبيرنا لهذا الإصلاح من حيثتسطير أولوياته...

7- كما نقرأ توجيهات تذهب إلى" أن كل مشروع إصلاحييجب أن يتسم ضرورة ، بسمات الواقعية والموضوعية والمرونة والقابلية للتطبيقوالإنجاز ، وتجنب التعامل الاختزالي مع ضرورة اعتماد المنظور الشمولي.
8- وكثرمن يدعو إلى إعادة الثقة في المدرسة المغربية ، ورد الاعتبار للمدرسة الوطنية... لأن أزمة التعليم في المغرب ، حسب أصحاب هذاالتشخيص ، أزمة مجتمع بأكمله ، يختلط فيهاالسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي. وتتحمل مسؤوليتها كل الأطراف...وأول خطوة ينبغي تحقيقها قبلالحديث عن إصلاح التعليم ،"هي تخليق الحياة العامة لإعادة الثقة فيالدولة والإدارة، والقضاء على كل مظاهر الفساد الإداري، و سرقة المال العام، وغيابالمحاسبة والمراقبة، وشراء أصوات الناخبين، واعتماد المحسوبية في إسناد المناصبالعليا والدنيا…"

9- في حين ننطلق نحن فيدراستنا وفي مشروعنا هذا، من القول بأننافي حاجة ،قبل هذا وذاك، إلى إعادةالثقة في أنفسنا أولا .نحن في حاجة إلى طاقة روحية (نفسية –أخلاقية ) وإلىقوة في الشخصية و الشعور بالأمن النفسي والطمأنينة وبقدر من معرفة الذات وتحصينها بالإيمانوترسيخ المبادئ الأخلاقية وقيم المواطنة ، ضد مختلف أشكال الاضطراب والانحرافوالفساد، إننا في حاجة إلى "إصلاح سيكولوجي/أخلاقي"، مستندين إلى قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىيُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

بمعنى أن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفرومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها، فيسلبهم الله إياها. وكذلكإذا غير العباد، ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله ، غير الله عليهم، ما كانوا فيه من شقاء وفقر وضلال، إلى الخير والغبطة والهداية.

أولا: مظاهر اضطراب السلوكداخل المنظومة
و حالة من التدهور النفسي/التربوي العام
لا بد أن نعترف بأننا نعيش الآنانتشار حالة من التدهور وربما الاضطراب النفس/تربوي و الأخلاقي ، في منظومتناالتربوية وفي مجتمعنا بشكل عام ، سواء في الأسرة أو الشارع أو الإعلام أو النوادي... وأن نعترف في نفس الآن بخطر الاستمرار في هذه الوضعية التي تعوق مشاريع الإصلاحوإصلاح التعليم على وجه الخصوص وتحول دون تطورنا ونمائنا .

أصبحنانلاحظ انتشارا ، لمظاهر السلوك السلبي بل و للسلوك المنحرف و المرضي ، وكأمثلة علىذلك :

- كثرةالغياب في صفوف التلاميذ و المدرسين على حد سواء بسبب الملل و القلق من المستقبل، أوبسبب فقدان الثقة ،وتكاسل وتماطل فيأداء الواجبات المدرسية و نوع من الهروبمن المسؤولية.
- الغش في الامتحان .
- العنف والعدوانية و التمرد على القوانين: فأصبح العنف جزء من سلوك عامداخل المؤسسة، لدى التلاميذ ولدى أوليائهم، ولدى العاملين فيها: تكسير للمقاعدوالنوافذ ، اعتداء على الأطر التربوية ورشقهم بالحجارة، تلطيخ للجدران، تمرد علىالعمل، تمرد على الواقع ، مخالفات سلوكيةٌ وأخلاقيةٌ مختلفة، وبعض مظاهر الانحرافوالإدمان....
-الفشلالدراسي وتشكل ميكانيزم الفشل ومختلفمظاهر الهدر المدرسي ... حيث تجمع جميع الدراسات على الصلة بين الفشلالدراسي والسقوط في السلوك المنحرف. وأن نسبة كبيرة تصل إلى أزيد من 88%من الراسبين ،يعبرون في العادة عن الكراهية للمدرسة وللمدرسين ، مع الرفض أواللامبالاة لكل اقتراح يرمي إلى عودتهم إليها أو الاستمرار في التعليم. (عن عبدالله أبو أيــاد العلــوي ، ( 2009
- كما نلاحظ فيالمجتمع عموما ، قدرا من اللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته وحاجاته ورفضا للحوار والاختلافو احترامه وتقبلُه....
- اختلاط المفاهيم والمبادئ والقيم، وتضاربهالدى الأفراد ، بل داخل المؤسسة الواحدة، وبين الجماعة الواحدة... وغياب فهم موحدللحقوق والواجبات داخل فضاء المؤسسة التربوية، و تجاهل وعدم احترام للقانونالداخلي و تطاول على حقوق المؤسسة وتدخل في شؤونها الداخلية ، بشكل سلبي من طرف أولياءالتلاميذ وعناصر من السلطات المحلية...
- ضعف في القيم الإيجابية وقيم المواطنة (العدالة و المساواة وتكافؤ الفرص ،الديمقراطية ، الإخلاص في العمل والعمل التطوعي الجماعي ...)

ثانيا : الوعي بأهمية البرامج النفس / تربوية والأخلاقية
في الإصلاح

هناك مؤشرات وملاحظات أخرى ، تؤكد خطورة وضعية الاضطرابالسلوكي/الأخلاقي، وترسم في نفس الآن ، السياق الذي تندرج ضمنه هذه الدراسة ،ومنهاعلى سبيل المثال :

-التوصية في مختلف اللقاءات العلمية وغيرها حول مشكلات المجتمع ،بضرورة تضمين المناهج الدراسية وبرامج التكوين ، إجراءات تربوية للوقاية والتحصينالنفسي/التربوي للتلاميذ ( التربية الصحية ، التربية البيئية، التربية الطرقية...)

- ازدياد الإلحاح من أجل الإصلاح ،على ضرورة تغيير العقليات في جميع المجالات : - مجال المساواة بين الرجل والمرأة (مدونة الأسرة) - مجال حقوقالإنسان – النقل (مدونة السير) - الرياضة - التغذية ... ومثال على هذا ، ما ورد فيمحاضرة عبد الله العروي،حول "القاضي والمؤرخ" ( في افتتاح السنةالجامعية بمدينة الدارالبيضاء ، أكتوبر 2012) ، والتي اختتمها باستنتاج أن أيإصلاح لا يمكن أن يتم دون تغيير العقليات .

- انتشار التأكيدعلى ضرورة ترسيخ قيم المواطنة وكثرةالحديث عن ضعف الحس الوطني.وكمثال على ذلك ما نجده في بعضوثائق وزارة التربية الوطنية ، مثل "الوثيــقة الإطــار لمراجعة المناهج التربويةوبرامج تكوين الأطـر" و"الكتاب الأبيض" ، حيث تم تخصيص حيز كبير للقيم الىجانب الكفايات ، (لكن لم تحترم توجيهاتها أبدا).

- مثال آخر نجدهفي برامج الفيدرالية الوطنية لجمعياتآباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب ، منذ إنشائهاو المتمحورة حول مشروع ترسيخ قيم المواطنة والدعوة "لإرساء ميثاق العلاقة بين الأسرة والمدرسةوتفعيله ، والذي جعل من أهدافه الرئيسة : إعداد المتعلم لاستدماج القيم والمبادئ الأساسيةللهوية الوطنية بكل روافدها وأبعادها الدينية واللغوية والثقافية والحضارية ،وتأهيله للانفتاح الواعي والإيجابي على الثقافات والحضاراتالإنسانية الأخرى،وتربيته على قيم المجتمع الديمقراطي الحداثي".

- كما يصف مصطفى محسن (2012) منظومة التعليم ب"المريضة " التييجب علاجها، "كما يجب تغيير الأطباء الساهرين على العلاج، لأنهم -حسب محسن-هم كذلك في حاجة إلى العلاج".

- وهناك دراسة متميزة صدرت مؤخرا لسعيد بحير (2012)تحت عنوان :"التحليل السيكولوجي للذات السياسية" ، يتعرض فيها للذاتالسياسية بمختلف مكوناتها، ويتناول التشخيص السيكولوجي لمشاكل الذات السياسيةواضطراباتها ، ويطرح سبل إعادة بنائها على أسس سليمة تقتضي التغيير في العقلياتوالسلوكيات وإعادة النظر في كثير من الممارسات السلبية.

و يبين الأستاذ بحير، كيف يمكن أن تعوق العديد من السمات السلبية في شخصية الطبقة الحاكمة في المغرب بشكلعام، مشاريع الإصلاح في بلادنا و"لكن إذا انعدمت الشفافية والإخلاص في العمل،وتخلى السياسيون عن مبادئهم وقيمهم الاجتماعية، وفضلوا الاهتمام بمصالحهم الشخصية،ظهر الاضطراب في العمل السياسي ووقع شرخ كبير بين الجماهير وبين الفاعلينالسياسيين."

ثالثا:غياب الاهتمام في المنظومة التربوية وفي المجتمع
بعلم النفس وتطبيقاته

نلاحظومع الأسف مقابل كل ذلك :

-عدم حضور علم النفس وانتشاره في مجتمعنا وضعف الوعي بأهمية المقاربة السيكولوجيةفي مختلف مناحي الحياة وخاصة في التربية المدرسية... و تغييبا شبه كامل للعنايةبموضوع الإرشاد و التحصين النفسي والتربية الوالدية.

وحتىدروس علم النفس والتي توفرها برامج مؤسسات التكوين المهني ، لا تجد تطبيقا فعليا لهافي المدارس و الأقسام .

إنغياب الإيمان بالخطاب النفسي /التربوي وما يرتبط به من مؤسسات وخطط وممارسات، واقعلا مجال لنكرانه في المغرب و في بلداننا العربية بشكل عام. إن غياب هذا الإيمان ،الذي لابد منه لبناء نفسية سليمة للإنسان وما يرافقه من تراجع في أدوار مؤسساتالتنشئة الاجتماعية ، أدى إلى خلل في التكوين العقلي و البعد النفسي الوجداني وقوةالإرادة لدى أطفالنا وشبابنا (وربما لدينا كراشدين كذلك)، مما جعلهم ينمون كبالغينمفتقدين للبعد الوجداني الفعال والضمير الحي ، اللازم لتحريك الطاقة الروحية، وبذلالجهد ، وتوفير الأداء الايجابي ، الذي يعد شرطا ضروريا لتحصينهم و إقدارهم علىالتصدي للتحديات التي تواجههم وتواجه المجتمع.

ذلكالغياب الذي يصفه صلاح عبد السميع عبد الرازق، " بالبناء النفسي والوجدانيللطفل: البعد الغائب في مناهج التعليم بالعالم العربي "، في تقديمه لأشغالالمؤتمر العلمي بعنوان ( التربية الوجدانية للطفل ) المنعقد في القاهرةمن 8 إلى 9 أبريل 2006.



رابعا: ضعف توظيف
الاختيارات في مجال القيـم



يوازيغياب المقاربة السيكلوجية في منظومة التعليم ،غياب آخر ليس أقل خطورة وهو غيابالعناية الجدية و الإجرائية ، بالجانب الوجداني/القيمي و الأخلاقي من شخصية التلاميذ.حقيقة إن هذا الجانب حاضر نظريا ، ضمنا أو صراحة ، في المقررات وفي الكتب المدرسية (وخاصة في مواد التربيةالإسلامية والتربية الوطنية والتاريخ...)وعموما من حيث المبدأ في كلام المربينداخل المدارس وسلوكهم . لأن الجميع يؤمن بأنه لا يمكن لأية أمة أن تنشد التنمية والازدهاردون أن يكون لها نظام تربوي قوي وقادر على تخريج أفواج مؤمنة متمثلة لقيمهاوأصالتها.

إن الإصلاحوما يرومه من تطوير ، لا يعتمد من حيث المبدأ ، على الكفايات والمهارات والمعارفالتي يستطيع المتعلم امتلاكها فحسب، "بل أيضا على القيم التي يتمسك بها وعلىالمواقف والاتجاهات التي يتخذها حيال كثير من الأمور في المجتمع، ومنها حيال العملوطبيعته والزمن واستثماره والتعاون ومداه، فعلى مثل هذه الجوانب الوجدانيةوالخلقية والإرادية في الإنسان وعلى ما فيها من الإيجابيات، تعتمد التنمية الشاملة إلى حد بعيد، وأهميتها قدلا تقل عن أهمية الجوانب المعرفية فيها." (انظر على سبيل الاستئناس : خالدالصمدي، القيم الإسلامية في المناهج الدراسية، منشورات المنظمة الإسلاميةللتربية والثقافة والعلوم، الرباط، مطبعة المعارف الجديدة، 2003).

لقد خص الميثاقالوطني للتربية والتكوين كما هو معلوم ، الجانبالوجداني (الانفعالي) بحيز هام في تحديده للأهدافالتربوية ، كما خصه "الكتاب الأبيض "، بحيز كبير عنونه "بالاختيارات و التوجهات في مجالالقيم" و يشمل القيم التي تم إعلانها كمرتكزات ثابتة في الميثاق ، و هي :

-1- قيم العقيد الإسلامية السمحاء،

-2- قيمالهوية الحضارية و مبادئها الأخلاقية و الثقافية،

-3- قيمالمواطنة،

-4- قيمحقوق الإنسان و مبادئها الكونية.

وانطلاقا من هذه القيم وانسجاما معها، "يخضع نظام التربية والتكوين للحاجات المتجددة للمجتمع المغربي على المستوىالاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة، وللحاجات الشخصية الدينية و الروحية للمتعلمين من جهة أخرى.ويعمل نظام التربيةوالتكوين بمختلف الآليات والوسائل للاستجابة للحاجات الشخصية للمتعلمين و المتمثلةفيما يلي:

- الثقة بالنفس والتفتح على الغير؛

- الاستقلالية في التفكير والممارسة؛

- التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي على اختلافمستوياته؛

- التحلي بروح المسؤولية والانضباط؛

- ممارسة المواطنة و الديمقراطية؛

- إعمال العقل واعتماد الفكر النقدي؛

- الإنتاجية و المردودية؛

- تثمين العمل والاجتهاد والمثابرة؛

- المبادرة والابتكار والإبداع؛

- التنافسية الإيجابية؛

- الوعي بالزمن والوقت كقيمة أساسية في المدرسة وفي الحياة؛

- احترام البيئة الطبيعية والتعامل الإيجابي مع الثقافة الشعبية والموروث الثقافي والحضاري المغربي.

-...وغيرها. ( عن "الكتاب الأبيض"،الجزء الأول ، يونيو 2002).



كما أننا ، وقد خصصنا لموضوع القيم أطروحة لنيل الدكتوراه (1993) ، وأفردنا له فصلاكاملا في كتابنا "التدريس الهادف"(2004) ، لاحظنا أن هذه القيم لم تجددائما طريقا لها للتحقق ، وبقي محور القيم ضعيفا في الكتب المدرسية و مغيبا فيالممارسات التربوية داخل الأقسام وبصفة خاصة في أنظمة الاختبار والتقويم .

وكنا قد انتقدنا ضعف وفقر التعامل معهذا الجانب الانفعالي ، ومن الملاحظات الأساسية التي أبديناها، عدم إقدام "الكتاب الأبيض"على إعطاء تعريف للقيم على غرار عدم تعريفه للكفايات. كما أنه لم يقدم مبررا علىتقسيمه الرباعي للقيم، ولماذا هذا التجزيء الذي يفيد أن القيم الإسلامية معزولة عنالقيم الأخرى كالمواطنة وحقوق الإنسان.

ولاحظنا تراجعا واضحا بخصوص الدعوة إلى الالتزام بتوظيف القيم في تحضير الدروسوبرمجة المواقف التعليمية و المجزوءات ، والذي كانت قد أوصت به اللجان من قبل ، فيالوثائق التمهيدية للكتاب الأبيض. كما يلاحظ سكوته عن البيانات التي انتهت إليهااللجنة "البيسلكية" ولجنة الاختيارات والتوجهات التربوية، في عملهاالجاد لتفصيل قوائم القيم وتدقيق الارتباطات العامة بين أنواع القيم و الكفايات،وكذا الارتباطات العامة بين المقاييس الاجتماعية و الكفايات. كما سكت دفترالتحملات الإطار عن كل ذلك.(محمد الدريج،2003)

كما لاحظنا عجز أساليب التقويم والامتحان في التعامل عموما مع الجانبالانفعالي/الأخلاقي، وعدم قدرتها قياس مايحدث في هذا الجانب الشديد التعقيد من شخصية المتعلمين أو على الأقل طرح بدائللتجاوز صعوبة تقويم هذا الجانب .

أما على المستوى التنظيمي، فكان على "القيم"، أن تنتظر إلى حدود سنة2006، حيث أصدرت وزارة التربية الوطنية ، المذكرة الوزارية رقم 88 بتاريخ05/06/2006، وذلك من أجل إرساء هياكل "مرصد القيم" (مدرسة القيم) ، غيرأنه على المستوى الإجرائي، لم يتم تحقيق الأهداف من كل ذلك ، في الوقت الذي تشهدفيه المنظومة التربوية وضعية من التردي الأخلاقي وحالة من التدهور في السلوك علىجميع المستويات و تعاني المدرسة المغربيةمن أشكال العنف والانحلال... الأمر الذي " يؤكد شبه استقلال للنظام التربويالمغربي عن وظيفته الأخلاقية".(انظر حجوجي عبد الحكيم ،2011)



خامسا: وضع برامج التحصين النفسي

(بعضمكونات الإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي)



كما أننا لم نتمكن من العثور على برنامج متكامل أو إستراتيجية واضحةالمعالم للتحصين النفسي للأطفال و الشبابفي المغرب وعموما في الدول العربية. وكل ما استطعنا الاطلاع عليه هو جملة منالأدبيات قد تكون مصحوبة بإجراءات وتدابير عملية مشتتة ، على أساس أن هذا البرنامجينبغي أن يشكل محورا لتمنيع الشخصية وتحصينها ولكل وقاية ممكنة من ظواهر السلوكالمضطرب والمنحرف .

ونعني بالتحصين النفسي ، تربية الناشئة وتكوين شخصيتهم وتوجيه أفكارهم بطريقة إيجابية ليكونوا قادرين على الاندماج السليم في متطلباتالحياة و مواكبين في ذات الوقت ، لكل جديد مثمر مع الاحتفاظ بروح الأصالة والثباتعلى المبادئ وقيم المواطنة .

كما يراد بالتحصين من حيث برامج العمل، مجموعة الإجراءاتوالترتيبات التي يُعدّها المسئولون والتربويون ويوجهونها إلى الناشئة لتعزيز ثباتهم أمام التيارات والظواهرالتي قد تزعزع قيمهم ومبادئهم وتفقدهمثقتهم في أنفسهم وتجعلهم أقوياء ضد مسالك الانحراف.

وهكذايتضمن مصطلح التحصين النفسي الإجراءاتوالترتيبات التي تستهدف تقوية شخصية الفرد، الذي أصبح يعيش زخما من المؤثرات السلبية، والذيبات انحرافه خطرا يهدده ويهدد المجتمع بفعل تلك المؤثرات ، وتزدادُ زاويةُالانحراف اتِّساعًا حين تجدُ شخصية بلا حصانةٍ وفكرًا ضعيفا. .( رمضان محمد القذافي ، 1996 ).

ويمكناختصار مقاصد التحصين النفسي وهي في مجملها مستمدة من أهداف التوجيه والإرشاد النفسي، في الفقرات التالية :

- تحقيقالتوافق، أي تناول السلوك والبيئة الطبيعية والاجتماعية بالتغيير حتى يحدثتوازن بين الفرد ومجتمعه، وهذا التوازن يتضمن إشباع حاجات الفرد في انسجام معمتطلبات المجتمع .

التوافقالشخصي : أي تحقيق السعادة مع النفس والرضا عنهاوإشباع الحاجات العضوية الفطرية والثانوية المكتسبة،

التوافق الاجتماعي : ويتضمن السعادة مع الآخرين والالتزامبأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي والتفاعلوالاندماج السليم والعمل لمصلحة الجماعة.

معرفة النفس : أي أن يعرف الفرد قدراته وإمكاناته وجوانب القوة والضعف في نفسه، فهذا يجعلهيحدد مستوى طموحه وفق حقائق واقعية. (سعد الدين العثماني، 2009 ).

الثقة بالنفس، وهي الإحساس بشعورإيجابي نحو الذات وتقديرها واحترامها. والثقة بالنفس تجعل الإنسان يتصرف بشكلطبيعي دون قلق أو رهبة، وتخلو حياته النفسية من التوترات والصراعات الداخلية التيتقترن بمشاعر الذنب والقلق.

ضبط النفس أو ما يسمى بالاتزانالانفعالي ، وهو اكتساب الفرد القدرة على التحكم في التقلبات المزاجية التي يتعرضلها. ( عبد السلام زهران ،1980).

سادسا: خطط وإجراءات التحصين النفسي
أو كيف يمكن أن نغير ما بأنفسنا

نلخص التدابير الأساسية التي نقترحها ، للتحصين النفسي في النقاط التالية :

1- تقويةالشخصية بترسيخ مفهوم موجب للذات:

لقدأثبتت معظم الدراسات ان من أهم الأسباب وراء العديد من المشكلات التي تعاني منهاالمنظومة التربوية في بلادنا ومنها تدني المستوى العلمي والمعرفي لدى التلاميذوتدني التحصيل الدراسي والفشل الدراسي ... ،هو تدني مستوى مفهومهم لذاتهم ومستوىتقديرهم لها ، وأن هذا التدني وراء العديد من المشكلات النفسية والسلوكية لدىالصغار والكبار. والشخص الذي يؤمن بقدرته على الأداء يستطيع أنينجح، فإحساس الشخص بالقصور عن أداء العمل ينتهي به إلى التخاذل ، ومن ثم فأنه لايستطيع أن يبذل الجهد المطلوب لإنجاز العمل وحتى إذا هو بذل جهداً أكبر فإنه لايكون جهداً مشوباً بالتصويب السديد ،بل يأتي جهده مشتتاً.

والثقةبالنفس تحمي الشخص من التصرفات العدوانية ، والإنسان الواثق بنفسه قادر على اكتسابالخبرات الحياتية ،وتعلم المهارات، فالذكاء وحده لا يكفي في هذه الحالة إذا لميتواكب مع الثقة بالنفس .

-1 منالضروري أن يتدرب الوالدان (في إطار التربية الوالدية ) وكذلك المعلمون ، علىكيفية التعامل مع سلوك الأطفال وتوجيهه الوجهة المناسبة ، بما يؤدي إلى توافقهمالشخصي والاجتماعي. وان يتدربوا على ملاحظة سلوك الطفل أثناء ممارسته للنشاطبجوانبه المختلفة من حيث نظرته لنفسه وكيف يتفاعل مع الآخرين..وقد يكون هذا النشاطداخل أسرته وفي منزله ..أو يكون في مدرسته.حيث يتمكنون من تعزيز السلوك الايجابي لدى الطفل ، سواء فيالجانب ألتحصيلي او التربوي وتحفيزه ماديا ومعنويا. ..

-2أن يعملوا ،على تقوية علاقات الطفل بإخوته في المنزلوبأبناء جيرانه وكذلك بزملائه في المدرسة بما يعزز روح المشاركة الايجابية لديه. وعلى تعويده على الاندماج والتفاعل مع الآخرينومساعدته على تقبل الآخرين دون الميل إلى نقدهم أو التهكم عليهم.

- 3 تعزيز هوية النجاح لدى الطفل، بما تتسم به منصبر وجد وبذل الجهد وهي تعد من مقومات تقدير الذات المرتفع أو الايجابي .. وتجنبهوية الفشل التي تؤدي إلى نشوء تقدير ذاتي منخفض أو سلبي يؤدي فيما بعد إلى تعثرهفي حياته الحالية والمستقبلية .

-4إعطاء الحرية للطفل في اختيار الأنشطة التي يمارسها و‌ الحرية في إبداء رأيه فيالموضوعات المتعلقة به ، والبيئة من حوله ، لممارسة جو من التشارك في اتخاذ القرار وإعطاءالفرصة للأطفال للتحدث والتعبير عن مشاعرهم وذاتهم بحرية ودون خوف في مختلفالمواقف الأسرية والمدرسية وغيرها ، لتنمية قدرتهم على التعبير الحر عن رأيهم . ‌و السماح للأطفال بسرد ما قاموا به من إنجاز، وذلك في نهاية كل نشاط على أن يحتفظوا بتلك الأعمال في ملف بورتفوليو Portfolios ( المحفظة التربوية ) خاص بكل طفل ، حتى تكون أداة مساعدة في تقييممفهوم الذات لكل طفل .مما يساهم في ‌تقوية إحساس الطفل بأهمية ما ينتجه من عمل ، سواءبمفرده أو مع الجماعة حتى يشعر بإمكاناته . (صلاح عبد السميع عبد الرازق،2006).

-5 حماية الطفل من تعديات الآخرين، والوقوف بجانبه إذا تعرضلشئ من ذلك، ومن المهم أن يطلب منه التسامح في مقابلة أخطاء الآخرين، مع تذكيرهبفضل العفو عن الناس، والصبر على ما يكره،. ومنحه الحب قولاً: بأن يسمع كلمات الحب منك،وفعلاً: بأن يُمازح ويُضم ويُقبل ليشعر بأنه محبوب ومقبول ومُقدر بين جماعته .

-6 أن تبحث عن الأمور التي تتوقع أنه يستطيع إنجازها بنجاح، فتعمل على تكليفهبها، ثم تمدحه عليها.

-7 أن تُسمع الزوار والأقرباء الثناء عليه بحضوره، مع الحذر من توبيخه أولومه أمامهم.

2 : تقويةالشخصية بالتربية على القيم:



القيم هي مكونات نفسية مكتسبة لتوجيه التفكير والسلوك لدى الفرد، وهيتنبع من التجربة الاجتماعية وتتوحد بها الشخصية، وهي عنصر مشترك في تكوين البناءالاجتماعي والشخصية الفردية يعمل على توجيه رغباته واتجاهاته ، وتحدد له السلوكالمقبول والمرفوض.

إن التربية في جوهرها عملية قيمية و إن أهم ناتج التربيةهو أن تتخذ لها مجموعة من القيم البناءة الدائمة التي تخضع لها الجماعة وتنتظمحولها حياتها ، فالشخص المتعلم الذي لا توجه معارفه و قدراته نحو أهداف قيميةيتخذها لنفسه ، يصبح خطرا على نفسه وعلى المجتمع على حد سواء . ومن الملاحظ إنعملية البناء القيمي ليست مسئولية مؤسسة اجتماعية بعينها أو منهج دراسي بعينهولكنها مسئولية كل من له علاقة بعملية التربية . (الجوير إبراهيم، 1419هـ).

إذنلا بد في إطار برنامجنا التحصيني من تقوية الشخصية وتهذيب السلوك وإعادة الاعتبارللتربية الأخلاقية وضرورة صياغة ثقافةترتكز أولوياتها على القيم (تغيير العقليات) ، هذه التربية القيمية يمكن تلخيصهافي النقاط التالية:

- الحرص على إكساب الأطفالوالمراهقين سمات و عادات شخصية مرغوب فيها ، مثل : و الصدق والأمانة و التعاون ومساعدة الآخرين.

-الحرص على الارتباط بالقيمالمتصلة بالمجتمع و بالوطن و تاريخه ومقدساته ، مثل الانتماء و الالتزام و العدلوالمساواة و التضحية و تقدير العمل والإخلاص فيه ومعرفة الخصائص المميزة لثقافةالمجتمع وتراثه .

-ترسيخ القيم الكونية ، مثل : احترام حقوق الإنسان و رفض فكرةالاحتلال وترسيخ التعاون و الحوار و التسامح والحرية و تقدير أهمية الشرعيةالدولية و المبادئ و المواثيق التي صادقت عليها الأمم . ( محمد الدريج ،2004 ).

سابعا: ضرورة الاهتمام بالتربية الوالدية

نقصدبالتربية الوالدية مختلف البرامج التي تسعى إلى تكوين الوالدين و الأسرة علىأساليب وتقنيات العناية السليمة بالأطفال وطرق تربيتهم وتحصينهم النفسي.

على أننانلاحظ غيابا لهذا المفهوم لدينا .ثم إننا لا نعرف كثيرا ما يحدث في الأسر وليس هناك سواء على مستوى التشريع أو المعاملات أو برامجالنشاط الجمعوي ...ما يمكننا من التدخل في ممارسات و أساليب الآباء و الأمهات و فيالتنشئة الاجتماعية للأبناء.

إذن غياب التدريبعلى تربية الأبناء إما فيشكل تدخل منفصل أو مكون من بين برنامج شامل ومتعدد الخدمات للوقاية يستهدف الأطفالوالشباب عموما و المعرض منهم للخطر على وجه الخصوص.

وبالتالي غياب برامج التدريب في إطار التربيةالوالدية وغياب الزيارات المنزليةالتي تستهدف إما الأسر التي لديها أطفال صغار، أو العلاج الأسرى والزوجي الذييستهدف الأسر التي لديها أطفال في سن أكبر . (الإيسيسكو - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ،2000 ).

وبالنسبة لبرامج الزيارات المنزلية كما هي سائدةفي العديد من المجتمعات ،فهي جزء من برامج تطوير الطفولة ، حيث يذهب المرشدون (النفسيون–الاجتماعيون) والمرشدات إلى منزل الأسرةسواء العادية أو المعرضة للخطر، بهدف تدريبها وتقديم المشورة والقيام بالمتابعة.ويتمثل الهدف العام من هذه البرامج في تشجيع تطور الطفل الصحي وذلك من خلال تغييرمواقف الوالدين ومعلوماتهما و/أو سلوكهما. كما تشمل الأهداف العامة الأخرى منعالإساءة إلى الطفل وإهماله وتحسين حياة الوالدين عن طريق توفير المساعدة في مجالالحصول على وظيفة والتشجيع على استكمال الدراسة أو تأخير الحمل. وتتجه معظمالبرامج نحو تمكين الوالدين بتوفير المهارات والموارد المطلوبة من أجل تربيةالمراهقين وفي نفس الوقت تمكينالشباب حتى يتسنى لهم التعامل والتأقلم مع مشاكل الأسرة والأقران والمدرسة والحيالسكني. وينصب اهتمام هذه البرامج على تغييرالأنماط غير القادرة على التأقلم أو الفاشلة والمتعلقة بالتفاعل والتواصل داخلالأسرة بما في ذلك السلوك السلبي في تربية الأبناء والذي يعد من أهم عوامل الخطرالمسببة لعنف الشباب. (شرف عبد المجيد، 1985).

ومن هنا فإن التدريب على تربية الأبناءيجعل للوالدين دوراً إيجابياً في نمو وتطور الأبناء وذلك من خلال تزويد الآباءوالأمهات بالمعلومات المتعلقة بصحة الأبناء والتغذية والاحتياجات التنموية علاوةعلى كيفية تفسير سلوك المولود أو الطفل الصغير.( محمد حمدي الحجار، 1999).
النتائج المتوقعة من التربية الوالدية

- تحسن مهارات تربية الأطفال.

- زيادة المساواة بين الجنسين (والتشبع بمبادئ مقاربةالنوع).

- ارتفاع مستوى الكفاءة الذاتية بين الوالدين.

- تحسن العلاقة التي تربط الوالدين بالطفل.

- زيادة مشاركة الوالدين في رعاية الأطفال.

- انخفاض كم الإساءة للأطفال وإهمالهم.

- قلة عدد المواليد أو توسيع الفترة الفاصلة بين الطفلالأول والثاني

- انخفاض السلوك المنحرف والعنيف بين التلاميذ.

- تراجع في مظاهر الاضطراب في السلوك ( التدخين وتعاطي المخدرات بين الأحداث).

طرق و استراتيجيات في التربية الوالدية:

وكملخص للاستراتيجيات والطرق المتبعة في تلكالبرامج وعموما في التربية الوالدية الهادفة للتحصين النفسي للأطفال والشباب ،نذكر :

- ضرورة بداية برامج التربية الوالدية ، في وقت مبكر بقدرالإمكان (تدريب الوالدينحتى قبل ولادة الأطفال).

- تدريب الوالدين أو من يحل محلهم في رعاية الأطفال على الأساليبالتربوية الإيجابية ،فضلاعلى الممارسات الصحية والتغذية السليمة.

- تشجيع عقد الاجتماعات الأسرية الأسبوعية بإشراف المساعدين النفسيين والاجتماعيين ، بهدفتغيير ديناميات الأسرة الداخلية وأنماط التواصل على أن تصمم الاجتماعات حسب أنواعالمخاطر التي تواجهها الأسرة ومرحلة النمو التي يمر بها الأطفال والشباب وأولياء الأمور المستهدفين.

- مراعاة السياق الاجتماعي لعملية تربية الأبناء وذلك حتى يمكن زيادة احتمالاتتغيير السلوك.

- القيام بالزيارات المنزلية المتكررة والثابتة لأن قلة عدد الزيارات يحول دون تشكيلالعلاقات بين الفرد الذي يقوم بالزيارات المنزلية والأب أو الأم كما ينتج عنه ضعفمستوى تنفيذ منهج البرنامج.

- تشغيل البرامج على مدى العام بدلاً من قصرها على العام الدراسي فقط حتى يتسنىالحد من عدد الأسر التي تتسرب من البرنامج.

- الاهتمام بإشراك الوالدين في أكبر عدد من أنشطة البرنامج بقدر الإمكان مع مراعاة ظروفعملهم وجداولهم الزمنية.

- الحرص على تعيين الأفراد العاملين(المساعدين) المتميزينبالشخصية القوية والمرونة والمهارات والكفايات التي تساعد علىإنشاء علاقات إيجابية مع الأسر، وفي نفسالوقت تمتلك الكفايات التنظيمية اللازمة لتنفيذ منهاج الزيارات المنزلية والكفايات المتعلقة بحل المشاكل حتى يتسنى لهم تناول أي من القضايا التي تثيرهاالأسر في حينه، علاوة على القدرات المعرفية التي تمكنهم من دراسة وتنفيذالبرنامج.

- تدريب العناصر (المساعدين والمرشدين ...) المسئولة عنالقيام بالزيارات المنزلية تدريباًمنظما حتى يتمكنوا من تنفيذ المنهج بالشكل المطلوب، وتوفير الدعم المستمر الذييهدف إلى تفادى و/أو خفض معدل تغير العناصر العاملة.

- إنشاء الشراكات مع خدمات المجتمع الأخرى (مثل التعليم والخدمات الصحية ورعاية الأطفال)المتميزة بجودتها ، بحيث يتسنى لبرامج الزيارات المنزلية أن تعود بأقصى حد ممكن منالأثر.

ثامنا :الأسرة والمدرسة ودورهمافي التحصين النفسي

التنشئة الاجتماعية والتي تشكل مجالا نفسيا -اجتماعيا هاما في مقترحنا لبرنامج للتحصين النفسي للأطفال وللشباب،هي مسؤوليةمشتركة للعديد من المؤسسات. لان الفرد في أي مجتمع له عدة من العلاقات والتفاعلات، فهو أحد أعضاء أسرة وهو تلميذ في مدرسة وعضو في نادي أو جمعية وعامل لمصنعومشاهد للتلفزيون... ومن الطبيعي أن يتأثر ويتعلم نتيجة انتمائه لهذه المؤسساتوارتيادها.

أولا :الأسرة: الأسرة هي أول وأهم وأقوى الجماعات تأثيرا في التنشئة الاجتماعية للطفل،والتي تعمل على تشكيلسلوكه الاجتماعي وبناء شخصيته.فالأسرة هي التي تهذبه وتجعل سلوكه مقبولااجتماعيا،وهي التي تغرس في نفسه القيم والاتجاهات التي يرتضيها المجتمع ويتقبلها. (حدية المصطفى، 2006)

وعادة ما تنشط الأسرة منخلال متغيرات تؤثر فيتربية الطفل ، كنوع العلاقة بينالوالدين واتجاهاتهما نحو الطفل وأسلوبهما في العناية به وتربيتهوالعلاقة بين الإخوة والمكانة الاجتماعية للأسرة ومستواها التعليمي والثقافي …وتؤكد ملاحظاتنا ما يتفق عليه كل الباحثين في هذا المجال ، بأن بنية الأسرة وطبيعةالعلاقات السائدة داخلها ، عامل أساسي في تحديد نمط التنشئة الاجتماعية، كعلاقة الأب والأم ( انسجام ، طلاق ، تفاوت ...)علاقة الوالدين بالأبناء (مستبدة ، قاسية، متفتحة، مرنة ...) علاقة الإخوة فيما بينهم (ودية،عدوانية ، نفور، كراهية ...) . كما أن علاقة الأسرة بالعالم الخارجي لها أثرهاالكبير في التنشئة ، وكذلك الأنماط الثقافية والمعرفية و التقاليد والطقوس السائدةداخل الأسرة.

ونحن نعتقد أن أساليب التنشئة السائدة مبدئيا في الأسر"السليمة" ، والتي يجب إبلاؤها العناية الكافية في أيبرنامج تحصيني ، تقوم على العديد من الأساليب التربوية ، من أهمها :

-الملاحظة والتقليدوالمشاركة ؛

- القدوة ؛

- الثواب والعقاب ؛

-الاستجابة لتساؤلات الطفل ؛

- الوضعيات المربية .

إن الأسرة بإمكانها أن تحصن المجتمع ضد التدهور النفسي /التربوي و السلوك المنحرف . لكنذلك لا يستقيم دون دعم مادي ومعنوي من جميع الجهات الرسمية (وزارة التربية الوطنيةوالوزارات المعنية بشؤون الأسرة ...) والجمعوية ... دعم يساهم في الرفع من مستواهاالاقتصادي والتعليمي وتمكينها من آليات أداء مهام التكوين والتحصين. فلا يمكن التوقع من أسرة غير مطمئنة على قوتهااليومي وسكنها والمفتقرة للحد الأدنى من التأهيل التعليمي والثقافي ،أسرة جاهلةبأمور التربية وأساسياتها ، نقول لا يمكن لهذه الأسرة أن تقدم نموذج المواطنالأمثل لأبنائها. (شكور جليل وديع، 1998).

ثانيا: المدرسة:

المدرسة إلى جانب الأسرة ، إحدى أهممؤسسات التنشئةالاجتماعية ، حيث تعمل على تلقين المعرفة ونقل الثقافة من جيل إلى جيل و تسعى إلى تحقيق نمو التلميذجسميا وعقليا ووجدانيا واجتماعيا، و إعداده بشكل يؤهله ليندمج وتربيته علىالكفايات والمعايير والاتجاهات والقيم ، التي و يرتضيها المجتمع .

مهمة المدرسة إذن ، مكمّلة لوظيفة الأسرة، بعملها علىتنمية الاتجاهات والقيم المرغوبة التي تكونت أصلاً في البيت.فمن خلال الدروس والواجبات ومن خلال حصص التعليم وبرامجه وما يوازيها من أنشطة تربوية والانخراط في العمل الجماعي ، سواء فيالأقسام أو داخل الأندية التربوية وحصص التربية البدنية والتدبير الذاتي لجماعةالتلاميذ...يتعلم الطفل احترام القوانين والحق والواجب والمسؤولية…ثم إن المدرسةبانفتاحها على محيطها الاجتماعي وبتوفيرها الإمكانيات والوسائل التربوية والماديةوالتجهيزية الضرورية (أطر مؤهلة ،مكتبات،أندية ،وسائل تعليمية ، ملاعب …)؛تساهمبقدر وفير في إشباع حاجيات المتعلم النفسية والاجتماعية والمعرفية. ( البكر فوزيه، 2005).

لذلك يكون من الضروري أن توفر الدولة جميع احتياجات المدرسة من مباني ملائمة وربطهابشبكة الماء والكهرباء وبشبكة الانترنيت وتجهيزها بالكتب والأدوات التعليميةوالحواسب... وتوفير البيئة المدرسية الآمنة و البناءة والخالية من أسباب الاحتقانوالصراع وتأهيل الإدارة الكفيلة بالرفع منالدفاعية لدى المدرسين وعموم العاملين بالمدرسة وتوظيف التكنولوجيا في التدبيرالإداري وتشجيع العمل الجماعي واستثمار كل المبادرات واستخدام كل الأدوات المتاحةلتحسين أدائها مما ينعكس إيجابا على تعلم روادها .
وتحتاج العملية التربوية – التعليمية في المدارس وداخلالأقسام (الفصول) ،إلى تحسين قائم على تحقيق جو نفسي صحي و احترام التلميذ كفردوكعضو في جماعة القسم ؛ بما يتيح فرص نمو شخصيته من كافة جوانبها بشكل سليم ويحققجودة العملية التعليمية. ولتحقيق كل ذلك نقترح توجيه الاهتمام إلى ما يلي:

* إثارة الدافعية وتشجيعالرغبة في التحصيل واستخدام الثواب والتعزيز بدل العقاب والتأنيب ، وجعل من الخبرةالتربوية التي يعيشها التلاميذ في وضعيات حياتهم اليومية وضعيات/إشكالية تصلحكنماذج لترسيخ التعلمات لديهم.. مما يمكن أكبر عدد منهم من التفوق ويجنبهم الرسوبالدراسي وما يصاحبه من مشاعر الفشل ومن تكرار للأقسام والانقطاع المبكر عن الدراسة(الهدر المدرسي)، والذي عادة ما يرتبط كما أسلفنا بظواهر الانحراف.

* العناية بالفروق الفردية وأهمية التعرف علىالمتفوقين وعلى المتوسطين والضعاف ومساعدتهم على النمو التربوي في ضوء قدراتهم ووتيرتهم في التعلم.

* إعطاء كم مناسب من المعلوماتالأكاديمية والمهنية والاجتماعية ، تفيد في معرفة التلميذ لذاته ولبيئته وفي تحقيقالتوافق النفسي والصحة النفسية وتلقي الضوء على مشكلاته وتدريبه على كيفية حلها.

* توجيه التلاميذ إلى طريقة الاستذكار والتحصيل السليم والمراجعة بأفضل التقنيات والأساليب ، حتى يحققوا أكبردرجة ممكنة من النجاح .



وقد خلصت لجنة "دور التعليم" في "المؤتمر العربي الرفيع المستوى لحمايةالنشء من المخدرات"، والذي نظمه المجلس القومي للأسرة والأمومة بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدةالإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ،الذي عقد خلالالفترة من 12-14 يونيو 2005 بالقاهرة ، إلى جملة من التوصيات نورد أهمها فيما يلي:

1 - تبني أساليب متطورة في التعليم النشطللنشء بالمدارس، ابتداء من المراحل العمرية المبكرة، وتضمينها الأساليب الصحيةللحياة ومواجهة المشاكل الحياتية المختلفة بالإضافة إلى أساليب الاتصال والإقناع .

2- تطبيق إستراتيجية من نظير إلى نظير. وإنشاء الجماعات الطلابية داخل المدارس وتدريبها لتلعب دورا إيجابيا في توعيةالأقران.

3- أهمية تدريب المدرسين والأخصائيينالاجتماعيين والنفسيين على التعامل مع الأسر.

4- صياغة قوانين ولوائح تنفيذية تساعد إداراتالمدارس على التعامل مع مشكلات التلاميذ وحالات الاكتشاف المبكر للسلوك المنحرف .إنشاء مراكز للنصح والإصغاء والمشورة للتلاميذ مع تفعيل دور الموجهين و الأخصائيينالاجتماعيين والنفسيين داخل المدارس.

5- تشجيع الأفكار الإبتكارية ورعاية التلاميذمن خلال نشاطات مفيدة في كافة المجالات .

6- الاهتمام بدور نوادي التلاميذ واتحاداتالطلاب وتشجيعهم وإشراكهم في كافة القرارات المدرسية وتنمية انتمائهم لأوطانهم .

7- إنشاء إدارة متخصصة للتربية الوالدية في وزارة التربية الوطنية ..

8-التواصل ليس فقط بين المدرسة والأسرةبل بينهما ومؤسسات المجتمع المحليكالجمعيات والأندية الرياضية ودور الشباب ومراكز الثقافة والمكتبات العموميةوالمساجد والمراكز الصحية ... بما يكفل تنسيق جهود التحصين النفسي لجميع هذهالمؤسسات.

9-إعداد أدلة للتوعية تستهدف المدرسوالأخصائي النفسي -الاجتماعي والتلاميذ وأولياء الأمور.

تاسعا :نماذج وتجارب

في التربية الوالدية والتحصين النفسيللتلاميذ

نستعرض فيما يلي أمثلة عن برامج للتربيةالوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ ، يمكن استلهامها في تطوير برنامج متكامل فيإطار مشروعنا للإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي :

1 ) برنامج شراكةالممرضة والأسرة فيالولايات المتحدة :

تعد شراكة الممرضةوالأسرة إحدى البرامج الناجحةفي الولايات المتحدة التي تعمل بنظام زيارات الممرضات المنزلية. يعمل البرنامج على تدريب الوالدين على كيفية توفيرالرعاية المسئولة والفعالة ورفع مستوى اكتفائهم الذاتي وذلك من خلال توفير المشورةلهم في مجالات مثل تنظيم الأسرة والتعليم والتوظيف. وأوضحت الدراسات نجاح البرنامجفي تحقيق انخفاض بنسبة 79% في الإساءة للأطفال وإهمالهم، وتراجع بنسبة 56% في هروب الأطفال من المنزل، وانخفاضبنسبة 56% في القبض على الأطفال وفي تناولهم المشروبات الكحولية. كما أسفر البرنامج عن آثار إيجابية على الأمهاتتمثلت في انخفاض الولادات المتتالية بنسبة 31% وتراجع بنسبة 44% في مشاكل سلوكالأمهات و9% انخفاض في القبض على الأمهات.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

للمزيد من الوثائق والموارد تابعونا على قناة ومجموعة تعليم بريس
القناة على الواتساب || https://bit.ly/3OTwonv
القناة على التلغرام || https://t.me/taalimpress
المجموعة على التلغرام || https://t.me/Taalimpress1
790431725383895591
https://www.taalimpress.info/