عرض حول حكامة تدبير الإدارة المغربية

فبراير 12, 2019 فبراير 12, 2019
-A A +A

حكامة تدبير الإدارة المغربية


إعداد : د علام فاطمة الزهراء،
حاصلة على الدكتوراه في العلوم القانونية والسياسية،

يشهد العالم اليوم متغيرات عدة، جعلته عالما مختلفا عما كان عليه منذ سنوات قليلة، حيث أصبح المتغير المشترك بين مختلف الدول هو السعي إلى تحقيق إدارة حديثة، مبنية على أسس سليمة في استخدام الموارد وتحقيق الأهداف، وحيث أن ضمان تحقيق ذلك أصبح ملازما لشرط كفاءة الإدارة، ومدى قدرة هذه الإدارة على تجويد الخدمات وعلى تحقيق المنافسة، يراهن المجتمع الدولي اليوم وكذا المغرب، على التفعيل الحقيقي للحكامة واعتماد معاييرها، بدءا بالتخليق وبناء فكر تدبيري شفاف في مختلف القطاعات الإدارية، باعتباره شرطا أساسيا لإضفاء الفعالية والجودة على الأداء العمومي، مرورا بالعمل على معالجة حالات تعارض المصالح وانعدام المسؤوليات، وتقليل المخاطر والخسائر المتوقعة بكافة أوجهها.

وفي هذا السياق عرفت الإدارة العمومية في المغرب، منذ حصوله على الإستقلال إلى يومنا هذا، عدة إصلاحات، على المستويين المركزي والمحلي، على مستوى البنيات الإدارية و النصوص القانونية المنظمة للعمل الإداري.
غير أن هذه الإصلاحات لم تكن مبنية على دراسات وأبحاث علمية، تتوخى بالدرجة الأولى إرساء إدارة خدومة تقوم على أساس خدمة الصالح العام، حيث كانت هذه المبادرات الإصلاحية تُتخذ على المستوى المركزي، مكرسة بذلك المركزية الإدارية المفرطة وغياب الثقافة التشاركية، مما كان له تأثير سلبي على مختلف المحطات الإصلاحية.
وهو ما تؤكده التوجيهات الملكية الدائمة لإرساء مبادئ الحكامة وتجويد وتخليق الخدمات العمومية، كضرورة للرفع من وثيرة التنمية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين . كما نجد أيضا أن البرامج الحكومية اعتبرت الحكامة الجيدة بكل أبعادها، الإدارية والأمنية والاقتصادية، بمثابة العمود الفقري لأجنداتها، الأمر الذي تكرس عمليا بإحداث قطاع وزاري مكلف بالحكامة.

وهكذا اعتبر مفهوم الحكامة الجيدة، في الدستور المغربي لسنة 2011، من أقوى المفاهيم التي جاء بها، كتعبير عن الفلسفة العامة التي يعتمد عليها من أجل إحداث التغيير المنشود والحد من الفساد وسوء التدبير الذي تعاني منه مؤسسات الدولة والمجتمع، مع الحث على اعتبارها قنطرة للإنتقال نحو الحداثة والتحديث، خاصة وأن الظرفية التي جاء فيها الدستور المغربي كانت فيها جميع الشعوب العربية تنادي بضرورة محاربة الفساد وإعمال مقومات الشفافية والمحاسبة.
حيث حدد بشكل أساسي التوجهات الأساسية، في مجال الحكامة الجيدة، بمبادئ تكرس للمقاربة التشاركية والمساءلة والإستفادة من الخدمات العمومية على أساس المساواة.
وفي دجنبر 2013 تم توقيع برنامج “حكامة”، الذي يكتسي أهميةً خاصة بالنسبة للإتحاد الأوروبي والمغرب، حيث يقوم على محوريين أساسيين : تعزيز الجانب المؤسساتي في مختلف القطاعات (التربية والصحة والزراعة والنقل…)، وتخصيص برامج لإصلاح الحكامة العمومية تلتقي من خلالها كل القطاعات الحيوية، وقد جاء هذا التعاون بين الإتحاد الأوروبي والمغرب كدعامة لتقوية المسلسل الإصلاحي الذي اعتمده دستور 2011.
وفي دجنبر 2017 ترأس السيد محمد بن عبد القادر، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية، مراسيم إطلاق مشروع ” دعم ومواكبة الوزارة في مجال إصلاح الحكامة العمومية”، وذلك في إطار التعاون بين المغرب والإتحاد الأوروبي.

ويندرج المشروع السالف الذكر، ضمن المحور الثاني من برنامج “حكامة” الذي يرتكز على تحسين جودة الخدمات العمومية وتعزيز المشاركة والمواطنة، ويروم تقديم خبرة عالية ومساعدة تقنية بهدف دعم ومواكبة تنفيذ مشاريع الإصلاح الإداري.
وعلى الرغم من هذا المبادرات مازالت الإدارة المغربية محط انتقادات عدة، لأن المشاكل التي تواجهها هي في حقيقة الأمر نتيجة تزاوج النظامين المخزني والبيروقراطي داخل دواليب الإدارة، وتأثرها بالعلاقات السائدة في الحقل السياسي، وسيستمر الوضع على ما هو عليه مادام لم يتم تحيين هذا النظام لمواكبة التطورات المتلاحقة، على المستويين الداخلي والخارجي.
من هنا أصبح الهدف من إرساء إدارة حديثة هو جعل هذه الأخيرة فاعلا أساسيا في تحقيق التنمية، وهو هدف لن يتحقق إلا إذا كانت الحكامة مرتكزا أساسيا لها . وعليه يجب أن تكون الحكامة مشروعا وطنيا، مدعم بإرادة قوية لتكريس الشفافية في مختلف القطاعات الإدارية، بنظرة أفقية لا عمودية، وذلك بالعمل على تحسين بنية الإستقبال، وترسيخ مبادئ الإدارة بالأهداف والنتائج، وتعزيز المنظومة الرقابية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

أولا: تحسين بنية الاستقبال
يعتبر إنشاء مصالح خاصة باستقبال المرتفقين وإرشادهم وتوجيههم، الخطوة الأولى إداريا للتواصل مع المرتفقين والإنصات إليهم، والعمل على حل مشاكلهم، فأغلب المرتفقين يشتكون من غياب هذه المصالح داخل الإدارة، ورغم اعتمادها من بعض الإدارات، إلا أنها غير مؤطرة بشكل جيد، ولا تتوفر على موظفين مختصين قادرين على إعطاء الإهتمام المطلوب والإستقبال التوجيهي للمواطن، إذ أن معظم المسؤولين الإداريين لا يهتمون بهذه المسألة، بل يعتبرونها ترفا.
إلا أن الأمر لا يعتبر كذلك، فاللقاء الأولي هو في حقيقة الأمر المؤثر الأساسي في الإنطباع الذي يتشكل لدى المرتفق عن الأداء الإداري ككل.
ذلك أن المواطن عندما يتوجه إلى الإدارة يحتاج بالضرورة لمن يساعده ويوجهه، و استقباله أحسن استقبال، وتزويده بحلول للمشكلة التي كانت وراء زيارته للمرفق الإداري، مما يشعره بالإطمئنان تجاه طريقة عمل المرفق، بل إن حسن الإستقبال يجعله يحس بأن هناك من يساعده على حل مشاكله الإدارية، بتبسيط المسطرة أمامه وتوجيهه نحو أفضل الحلول.
ونظرا لما لهذه الوظيفة من أهمية خاصة، عندما تتعلق بتلقي التظلمات الإدارية للمواطنين واقتراح الحلول الأولية لهاته التظلمات، يتعين على الموظف المكلف بهذه المهمة أن يكون ملما بكل المساطر الإدارية والقانونية، الشكلية والجوهرية، وأن تكون لديه سرعة البديهة في الأجوبة، وروح المبادرة في اتخاذ القرار، والقدرة الكاملة على الإنصات . ذلك أن موظف الإستقبال أصبح اليوم مطالبا بتخليص المرفق العام من كل السلبيات التي لحقت بصورته أمام الرأي العــــام.
من هنا أصبحت الحاجة ملحة إلى خلق مفهوم جديد للإستقبال داخل الإدارة العمومية، خاصة وأن المرتفق يعاني، حتى في حالة وجود مصلحة الإستقبال، من غياب الفعالية، نظرا لعدم وجود أفراد متخصصين في التوجيه والإرشاد.(1) فانطباعات المواطنين عن الإدارة العمومية غالبا ما تبقى رهينة بجودة الإستقبال الذي يخصص لهم، كما أن الإنتقادات غالبا ما توجه للإدارة بناءا على الإستقبال الغير اللائق، لذلك كانت الضرورة ملحة في توفير ظروف أفضل وأنجع لاستقبال المرتفق.
فالإدارة العمومية يجب أن تعي بأن استقبال المواطن أصبح يشكل الحجر الأساس لكل عملية ترمي إلى تحديث الإدارة، وعنصر من العناصر الهامة التي تهتم بقضايا المواطنين وبمشاكلهم اليومية، الأمر الذي من شأنه أن يغير الوسائل البنيوية التقليدية للإدارة، ولاسيما تلك المرتبطة بالتكتم على المعلومات، خاصة وأن معظم المواطنين أصبحوا أكثر إلحاحا، بل وأكثر تمسكا بقضاء حاجياتهم وتلقي الأجوبة عنها داخل آجال معقولة، لذا يجب على إداراتنا أن تساير وتواكب هذا التطور، وفي هذا الإطار يجب على كل إدارة عمومية أن تحدث مصلحة لاستقبال المواطن بمواصفات فعالة ومعايير جيدة خدمة للمصلحة العامة.
ففي فرنسا مثلا، وفي إطار ترسيخ التحديث الإداري، جعلت الإدارة الفرنسية من أولوياتها إحداث مكاتب للتوجيه والإستقبال، من أجل ضمان توجيه المرتفقين بشكل جيد وفي أحسن الظروف.
حيث عملت مختلف الوزارات في فرنسا على جعل تحسين علاقة الإدارة بالمرتفق وتطوير مراكز الإعلام والتوجيه لفائدة المواطن، النواة الأساسية لتقريب الإدارة من المتعاملين معها.(2)
كما عملت، في إطار سياسة مراجعة السياسات العامة، التي اعتمدتها حكومة François Fillon في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، على تطوير عملية الإستقبال عن طريق اعتماد تقييم التزامات الجودة في الإستقبال مع نهاية سنة 2010، عبر دليل “مريان” الذي تم تعميمه سنة 2005، والذي يتضمن 18 التزاما، منها 14 التزام غايتها تحسين جودة الإستقبال والخدمات، ويتم تحديين هذا الدليل سنويا، بناء على استطلاعات رأي المواطنين، حيث تم التركيز على الولوج الموسع والسريع للخدمات، وتكييف أوقات افتتاح الإدارات مع جميع الوضعيات والخصوصيات المحلية، وتسهيل إمكانية الحصول على المواعيد، وكذا الحصول على إجابات واضحة ودقيقة في وقت محدد.
وفي إطار تحديث العمل الإداري نص دليل ماريان على اعتماد الخدمات الهاتفية وتقديم التساؤلات عبر الهاتف، على مدار 24 ساعة،(3) وأن تكون هذه الخدمات، في إطار ميثاق “مريان”، موضوع تقييم من قبل المواطن، الذي يعبر عن احتياجاته ورضاه عن طريق استمارات الرضا.(4)
وتمكن هذه الإستمارات السنوية من قياس جودة الخدمات، وقياس التزام الإدارات بهذا الميثاق وتطبيقه على أرض الواقع، وكذا تقييم ملاحظات المرتفق وتقويم الإختلالات إن وجدت.
ثم إن توجيه المواطنين توجيها صحيحا من شأنه أن ييسر ويبسط المسطرة والإجراءات على الإدارة نفسها وعلى المرتفق، وهذه العملية لا يجب أن تقتصر فقط على الإدارات المركزية، بل يجب أن تعم الإدارات الترابية أيضا، والتي يجب أن تربط علاقات دائمة مستمرة ومنظمة مع المواطنين حيثما وجدوا، لمعاينة أوضاعهم والإجابة عن استفساراتهم.(5)
وتقتضي أهمية الإستقبال على مستوى المرافق العمومية إشراك مختلف المستويات الإدارية في الرفع من جودته، خاصة في الشق المتعلق بتكوين الموظفين، والذي يتطلب إلى جانب الكفاءة مؤهلات تواصلية خاصة، قوامها الإحترام والتواضع في المعاملة وحسن الإصغاء وسرعة البديهة وروح المساندة والمبادرة على قدم المساواة مع مختلف المواطنين.
وفي هذا الإطار يمكن الإستئناس بالتجربة التونسية التي اعتمدت خطة المواطن الرقيب، والتي تم الإعلان عنها بالأمر عدد 147 بمناسبة الذكرى الخامسة للتحول، حيث تم خلق مواطن رقيب يقوم بمراقبة الإدارات وطريقة معاملة الموظفين مع المرتفقين، فهذا المواطن الرقيب لا يعلم به أحد يتم اختياره بطريقة سرية، يقوم بزيارات ميدانية لمختلف المصالح الإدارية دون التصريح بصفته، ويقوم بطلب خدمات عادية ويعاين كيفية تقديم هذه الخدمة، ومن ثم تقييم أسلوب تعامل الموظفين مع المرتفقين، كما يقوم بتقييم الظروف التي يتم فيها تقديم هذه الخدمات.
ويقوم المواطن الرقيب بما لا يقل عن 20000 زيارة سنويا إلى جميع المصالح الإدارية، التي تقدم خدمات مباشرة للمرتفق بكافة الولايات.
وتهتم تقارير فريق المواطن الرقيب بمختلف جوانب الخدمة العمومية : حالة المباني، ظروف استقبال المواطنين، تصرفات الأعوان… كما يكلف هذا الفريق بحملات موجهة لمعاينة جودة الخدمات المقدمة، ومدى تطبيق الإجراءات الجديدة المتعلقة ببرامج الإصلاح الإداري، ويتم على إثر ذلك رفع تقارير عن نتائج الزيارات إلى المصالح المعنية بالوزارة الأولى قصد اتخاذ التدابير اللازمة.
إن تحسين علاقة الإدارة بمرتفقيها كخطوة أولى لتحسين عملية الإستقبال تتطلب التدابير التالية :
وضع قانون إطار حول علاقة الإدارة مع مرتفقيها وتحسينها، كما هو الشأن في بعض الدول المتقدمة؛
إلزامية تزويد الإدارة بوحدات لاستقبال المواطنين وإرشادهم وتزويد موظفيها بالمعلومات الضرورية؛
توفير الوسائل والأطر المتخصصة لإنجاح عملية الاستقبال؛
إتقان اللغة العربية والأمازيغية، والمفاهيم الأولية للغتين الفرنسية والإنجليزية؛
تمديد أوقات عمل وحدات الإستقبال إلى حدود السابعة مساءا، حتى يتسنى للمواطنين العاملين الحصول على خدماتهم إن أنجزت؛
الإهتمام بالرد على الإستفسارات الهاتفية والكتابية؛
اعتماد خط هاتفي خاص داخل الإدارات المركزية لاستقبال شكايات المواطنين المتعلقة بسوء استقبالهم في الإدارات التابعة لهاته الإدارات؛
الافتحاص الدوري لتقييم أداء عمل هذه الوحدات.

ثانيا: ترسيخ مبادئ الإدارة بالأهداف والنتائج
إن تحقيق الإرتقاء بالأداء الإداري، وترسيخ المفهوم الجديد للخدمة العامة، وإيجاد الشروط الكفيلة بترسيخ مبادئ التدبير العمومي الجيد، كدعامات أساسية للحكامة الإدارية، يتطلب الأخذ ببعض المفاهيم الحديثة كمفهوم الإدارة بالنتائج، الذي يعتبر من أنماط التدبير التي تعتمد على نتائج قابلة للوصف والقياس، ويركز على الفعالية في التدبير والنجاعة في النتائج والإرتقاء بجودة الخدمات.
ففيما يخص الوسائل التي تتم تعبئتها من أجل إنجاز سياسة عمومية ما، يلاحظ أن جل الإدارات لا تتعامل مع ما هو متاح لها من هذه الوسائل، بشرية أو مالية أو غيرها، بمنطق تعبئتها لتحقيق أهداف معينة باقتصاد وكفاءة وفعالية، بل بمنطق الحصول على أكبر قدر ممكن من الإعتمادات واستهلاكها كليا، من أجل تبرير حصولها سنويا على نفس القدر أو الزيادة فيه.(6)
إن وسيلة الإدارة بالأهداف تعتمد على طريقة علمية جيدة لتحديد أهداف الإدارة، وذلك من خلال التخطيط لمجموعة من الأهداف، مع تقييم هذه الأهداف والخطط من خلال تفاعلها مع المشاكل المعاشة وتحديد الأهداف السنوية تبعا للأولويات، حيث تضمن هذه الوسيلة لجميع الموظفين، بطريقة أفقية وعمودية، تحديد الأهداف والوسائل بشكل دقيق، وبذلك يشارك العنصر البشري بفعالية في تحقيق هذه الأهداف، التي ساهم بشكل مباشر في وضعها.
وقد اعتبر Paul Mali الإدارة بالأهداف وقياس النتائج استراتيجية آلية مهمة لقياس فعالية الإدارة، لأنها تقوم على التخطيط الأفقي والتوصل إلى النتائج المطلوبة عن طريق تحقيق الأهداف المرسومة وتلبية رغبات الأفراد.
إن المهمة الأساسية للإدارة بالأهداف هي خلق الإنسجام بين الموظفين، وتنسيق الجهود والعمل في إطار واحد للوصول إلى الغاية المنشودة، من خلال توجيه الطاقات البشرية بشكل جيد، واستغلال الموارد بشكل سليم، وإزالة جميع العوائق التي تحول دون تحقيق الأهداف الموضوعة.(7)
إن الإرتقاء بالعمل الإداري رهين بالأخذ بعين الإعتبار تطلعات مختلف الفئات الإدارية، خاصة عند اتخاذ القرارات داخل الجهاز الإداري.(8)
وذلك عن طريق إلغاء العلاقات السلطوية السائدة في ظل النظام التقليدي، والسعي إلى استلهام النجاحات التي حققتها التجارب الأجنبية في هذه المجالات، حتى تتمكن إداراتنا من تحقيق الرضا المطلوب للمرتفقين، اللذين ما فتئوا يزدادون كما وكيفا وإلماما بحقوقهم وواجباتهم، فإذا كان مواطن اليوم يؤدي ضرائبه بانتظام فإن الإدارة مطالبة بأن تقدم له خدمة جيدة.(9)
ويعرف التدبير بناءا على الأهداف على أنه مقاربة التدبير استنادا على النتائج القابلة للقياس، والتي تحدد الأهداف والغايات المحددة مسبقا، استنادا إلى الخدمات المراد تقديمها داخل نطاق من الشفافية والمساءلة والمرونة في الوسائل المستخدمة للوصول إلى النتائج المحددة.(10)
ويرتكز التدبير بناءا على الأهداف على أداء الإدارات العمومية ومدى تحقيقها للنتائج، بناءا على أهداف محددة مسبقا ومعلن عنها، وتقاس نسبة الأداء هذه استنادا إلى مجموعة من مؤشرات.
ويكمن جوهر هذه السياسة التدبيرية في الرفع من جودة الخدمات المقدمة بناء على رأي المرتفق، الذي يعتبر من أولويات الحكامة الإدارية الجيدة.
فعملية التدبير بناءا على الأهداف إذن تقوم على أساس المساءلة على النتائج المنجزة حسب الموارد المتوفرة، ووفق نتائج قابلة للقياس لتحقيق الفعالية والنجاعة في الإنتاجية، مع الحفاظ على جودة الخدمات، وذلك عن طريق اعتماد مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار الإستراتيجيات والإجراءات المعتمدة والكوادر البشرية لتحقيق نتائج دقيقة وقابلة للقيـاس.
وفي هذا الإطار تبنت كندا إصلاحا إداريا في التسعينيات من القرن الماضي، ركزت فيه على مفهوم الإدارة استنادا إلى الأهداف المنجزة، وكان هدف مشروع الإصلاح زيادة الكفاءة والفعالية في الأداء والإنتاجية لدى الأجهزة العامة، وكذا تعزيز مبدأ المساءلة والمحاسبة الإدارية. لذلك تبنت سياسة المحاسبة على أساس الأهداف المنجزة بالنسبة لتلك المدرجة في اتفاقية الأداء، التي يتم فيها تحديد الأهداف التي ترغب الدولة في تحقيقها من كل جهاز . حيث يترك لرئيس كل جهاز حرية رسم الإستراتيجيات التي سيتبعها في تحقيق النتائج المطلوبة منه، على أن تتم المساءلة الإدارية على ضوء ما يتم تحقيقه من نتائج.(11)
وتطبيقا لهذا التوجه كان على جميع المدراء ورؤساء الأقسام والموظفين إعطاء الأولوية لنوعية الخدمات المقدمة للمواطن، عن طريق تحقيق هذه النتائج بنجاعة وفعالية.(12)
ويحدد قانون الإدارة العامة الكندي المبادئ الأساسية للتدبير بناءا على النتائج في المادة الثانية منه،(13) كما يوفر هذا القانون الأدوات اللازمة لتوجيه التدبير نحو تحقيق هذه النتائج، وهو ما تحتاج إليه الإدارة المغربية اليوم، فالدولة تطرح مخططات لإنجاز مشاريع كبرى، ولكنها غالبا ما لا تحقق النتائج التي تم التخطيط لها.(14) فالمقصود إذن بتحسين جودة أداء الإدارة العمومية تقوية فعاليتها، عبر تبني مبدئي للتخطيط والتدبير بالأهداف . وهذا يستوجب انخراط جميع الشركاء لتحديد الأهداف والنتائج المنتظرة من الإدارة، وتحديد المستفيدين بدقة، وتصميم البرامج التي تستجيب لحاجياتهم وأولوياتهم، وتوجيه التخطيط والتنسيق وإعادة الهيكلة، مع ضرورة إنشاء وحدات متخصصة داخل الهيكل الإداري، تعمل على تحديد الأولويات وتساهم في تجديد أساليب العمل، وتقوم بدراسات مستمرة لقياس رضا المرتفق من النتائج المحققة، ومنحه فرصة إبداء ملاحظاته وتقديم اقتراحاته فيما يتعلق بأوجه التغيير اللازم إحداثه، وفق نتائج محددة مسبقا يجب الوصول إليها.
ولإنجاح هذا الورش المهم لابد من تحقيق لا مركزية أكبر على مستوى التدبير، حتى يتسنى للرؤساء والمرؤوسين، على مستوى المصالح الخارجية، تحديد هذه الأهداف وتنفيدها وتقييمها بشكل فعال.
ويجد هذا النمط التدبيري الحديث مبرراته في الظروف الوطنية والدولية، التي أصبحت تفرض نفسها بقوة، ففي ظل دسترة هيئات ومؤسسات الحكامة الجيدة سيعرف التدبير افداري في المغرب مجموعة من المستجدات، خاصة من خلال العمل على تحديث آليات تسيير الإدارة العمومية، وجعلها تستجيب للرهانات التي تفرضها الظرفية الحالية.
لكن لكي يتم تطبيق هذا الإصلاح، و بشكل فعال، لا محيد عن تبني الإدارة المغربية أساليب حديثة، أثبتت فعاليتها في مجالات عدة . من هنا تأتي أهمية التدبير المرتكز على النتائج، الذي يقوم على أساس المساءلة التي تضمن للمسؤولين الإداريين حرية التصرف في إطار الشفافية والعمل الجماعي من جهة، مع ضرورة تقديم الحساب النهائي القائم على تحديد قائمة النتائج المنجزة من جهة أخرى.

ثالثا: تعزيز المنظومة الرقابية
إن العمل على تحسين عمل الإدارة العمومية وجودة أداء المرفق العمومي والإرتقاء به، يفرض تحصين هذا العمل بإعادة هيكلة المنظومة الرقابية.
والتدبير العمومي كغيره من وسائل التسيير التقليدية يعتمد على الرقابة، إلا أن هذه الرقابة التي يسلكها التدبير العمومي تختلف من حيث الوسائل والآليات، ذلك أن الهدف الأساسي من الرقابة هو تحقيق الفعالية والكفاءة، من خلال البحث عن نقط الضعف ونقط القوة في نشاط التنظيم، مع العمل على تصحيح الأخطاء والوقوف على الخلل الحاصل بين النتائج المحققة والأهداف المسطرة، وهذا يستدعي وجود وحدات داخلية تقوم بهذه المهمة داخل جميع الإدارات، المركزية والمحلية.
فالرقابة لا تعني فقط رقابة المشروعية حسب المفهوم التقليدي، أي مدى مطابقة أعمال الإدارة مع القواعد القانونية، بل السهر، بصفة عامة، على احترام هذه القواعد. ففي اليابان مثلا تقوم العملية الرقابية للإدارة على الفلسفة العامة التي تقوم بها هذه الإدارة، حيث تبين الإدارة منذ البداية الأهداف المتوخاة والإجراءات المطلوب اتخاذها للوصول إلى هذه الأهداف، وتتم العملية الرقابية وفقا لهذه الأهداف والإجراءات،(15) وأهم ما يميز النظام الرقابي الياباني هو الشعور الجماعي بالمسؤولية، التي ترتكز على عنصري الثقة والمهارة.(16) ويقوم فيها نظام المحاسبة على نظامين أساسيين، يرتكز الأول على تلخيص الوضع المالي الشامل للإدارة، ويقوم النظام الثاني على المحاسبة الإدارية، حيث تتم عملية قياس تفصيلي لكافة تفاصيل العمليات الداخلية فيما بين مختلف الإدارات والأقسام والموظفين في الإدارة.(17) فلتحسين وتجويد الأداء الإداري تتبنى الإدارة اليابانية عملية رقابية قادرة على تحديد وقياس مختلف المعيقات والإختلالات، وذلك عن طريق الإجابة عن الأسئلة التالية :
أين نحن ؟ وماذا نريد ؟ وأين نريد أن نكون؟ وبأية طريقة؟
مع البحث عن الحلول الكفيلة لتجاوزها وتتبع تنفيذ هذه الحلول، والبحث عن إمكانية عدم تكرارها، وذلك بتطبيق ما أصبح يعرف بالتدقيق الداخلي كوسيلة رقابية جديدة وجيدة، تساهم في تحصين العمل الإداري ليتحقق بشكل جيد وفي أحسن الظروف.(18)
فالتدقيق الداخلي يرتكز على أساس استراتيجية عامة وواضحة، يهدف من خلالها إلى تحسين الجودة على مستوى التدبير الداخلي لكل إدارة، الأمر الذي ينعكس بدوره على مستوى الأداء العمومي ككل وبالتالي تحقيق أهداف الإدارة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا من قبل مختلف الإدارات، سواء داخل القطاع العام أو الخاص، بوظيفة التدقيق خاصة وحدات التدقيق الداخلي، لما أثبتته هذه الوحدات من نتائج ايجابية في تقويم العملية الإدارية، حتى أضحى التدقيق الداخلي نشاطا تقييميا لكافة الأنشطة والعمليات الإدارية، يهدف إلى تطويرها ورفع كفاءتها وفعاليتها.(19)
فهو نشاط مستقل وموضوعي، يهدف إلى إعطاء الإدارة فكرة حول درجة تحكمها في العمليات التي تقوم بها، مع توجيهها لتحسين أدائها والمساهمة في خلق قيمة مضافة.(20)
ويشكل فحص مدى كفاءة وفعالية الرقابة الداخلية نقطة بداية التدقيق الداخلي،(21) حيث يتم وضع برنامج التدقيق المناسب على أساس هذا التقييم، حتى يتم تحديد الإختبارات اللازمة وحجم العينة المناسبة، والتركيز على ما يمكن اعتباره خطرا على الإدارة.
ويتم الإعتماد في ذلك على ما يراه المدقق الداخلي ضروريا ومناسبا من وسائل للحصول على أدلة وقرائن الإثبات.
ويقوم المدقق الداخلي أساسا بمراقبة وتقييم نظام الرقابة الداخلية، لتحديد نطاق عمله، ويعتبر نظام الرقابة الداخلية أحد أهم الإجراءات الإدارية، حيث أن وضع نظام رقابة داخلية، متميز بالكفاءة والفاعلية ومطبق من قبل الأفراد والإدارة، يشكل حماية للإدارة من المخاطر التي قد تواجهها، حيث يقلل من احتمالات التعرض للمخاطر إلى أدنى حد ممكن.
لذا تعتبر دراسة وتقييم نظام الرقابة الداخلية، المستعمل في الإدارة، حجر الأساس الذي ينطلق منه المدقق، عند إعداده لعملية التدقيق وتحديد نسب الإختبارات والعينات الخاضعة للتدقيق.
ويعتبر نظام الرقابة الداخلية النواة الأساسية التي تستند عليها مهمة التدقيق بصفة عامة، سواء كان خارجيا أو داخليا، كما يعتبر الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الهيكل التنظيمي للإدارة.
وقد نص المعيار الدولي للتدقيق رقم 400، الخاص بتقدير المخاطر والرقابة الداخلية، على أن نظام الرقابة الداخلية يشمل كافة السياسات والإجراءات التي تتبناها الإدارة لمساعدتها، قدر الإمكان، في الوصول إلى أهدافها وهي : إدارة العمل بشكل منظم وكفء يتضمن الإلتزام بسياسات الإدارة وحماية الأصول واكتشاف الإحتيال والخطأ ومنعه، والحرص على دقة واكتمال السجلات المحاسبية وإعداد معلومات مالية موثوقة في الوقت المناسب.(22)
وتتجلى أهمية الرقابة الداخلية في كونها تعمل على تحقيق أهداف الإدارة، وتبين وتحدد الإنحراف في الخطة الموضوعة مسبقا . وبعيدا عن اهتمامات القطاع الخاص، المتعلقة بالجانبين المالي والمحاسباتي، توسع مفهوم الرقابة الداخلية ليشمل أهدافا أخرى تهم القطاع العام مثل : تحقيق الإقتصاد والكفاءة والفعالية لضمان جودة الأداء الإداري، من أجل تحقيق مدخل إدارة الجودة الشاملة للأداء العمومي. فنظام الرقابة الداخلية يتضمن إذن مجموعة من الوسائل نذكر منها : الهيكل التنظيمي والسياسات والإجراءات والأنظمة والقوانين والتعليمات، دليل الحسابات والتنبؤات…، كمدخلات تحكمها منهجيات وأساليب تستخدم أدوات الإدارة ولجنة التدقيق، الداخلي والخارجي، وسائر الموظفين بمختلف مستوياتهـــم.
وذلك من أجل تحقيق مخرجات ونتائج تفضي إلى تحقيق أهداف الإدارة والمساهمة في تفعيل و إنجاح تدبير عمومي جديد.
وتجب الإشارة إلى أن اعتماد التدقيق الداخلي كمنهجية في عمليات المراقبة ليست بالعملية السهلة، خصوصا عند تطبيقها على القطاع العام. فحتى يمكن تدقيق سياسة ما يجب أن يتم تحديد الأهداف المراد بلوغها بكل دقة، بمعنى تحقيق ما سميناه آنفا بالإدارة بالأهداف، كما يجب تحديد الوسائل اللازمة لتحقيق تلك الأهداف، الأمر الذي يستوجب الأخذ بمبادئ الحكامة كلها في مجال التدبير العمومي.

رابعا: ربط المسؤولية بالمحاسبة
عرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المساءلة على أنها تقديم المسؤولين لجميع التوضيحات عن واجباتهم، وطريقة استخدام صلاحياتهم وكيفية تدبير الموارد، ومحاسبتهم طبقا لذلك،(23) فالمساءلة حسب هذا التعريف هي إلزام الأشخاص والسلطات المخولة لهم إدارة الموارد العامة بالإدلاء بكافة المعلومات، المرتبطة بإدارة جميع الموارد من الناحية المالية والتدبيرية، ومحاسبتهم على ذلك.
وتبعا لذلك تلعب دورا كبيرا في تحسين الأداء الإداري، لما لها من فعالية في تعزيز المنظومة الرقابية، حيث أصبحت نجاعة هذه المنظومة، دوليا، تقاس بمستوى الشفافية داخل الإدارات العمومية، والتي تتأتى أساسا بربط المسؤولية بالمساءلة ثم بالمحاسبة.
ويعود تصنيف المساءلة والشفافية ضمن بنية الرقابة إلى ارتباط دورهما بالرفع من فعالية الأداء الإداري وتحديثه، وكذا تخليق الحياة الإدارية.

فمفهوم المساءلة يأتي من كون أن الفرد مسؤول أمام الجميع عن المهمة التي أسندت إليه، بإعتباره يقوم بسلطة من سلطات الدولة، القائمة أساسا على تحقيق المصلحة العامة بكفاءة وفعالية. حيث تجمع مختلف الإصلاحات، المعتمدة في مجال الإدارة العمومية، على أن المساءلة حين ترتبط بالمحاسبة، تعتبر إحدى أهم المبادئ التي تقوم عليها الحكامة الإدارية، لتحقيق الشفافية والفعالية في الأداء الإداري.

وترتبط المساءلة ارتباطا وثيقا بالمسؤولية، بحيث أصبحت وسيلة وهدفا في الآن ذاته، وسيلة من حيث كونها أداة فعالة لتحقيق كفاءة الإدارة، وهدفا يبدأ بمجرد التزام الإدارة بها، فتصبح ملزمة بتقديم تقارير عن طبيعة ممارستها للواجبات المناطة بها.(24)
وتأتي المسؤولية في المرتبة الأولى لتحديد الأهداف ومراقبة تنفيذها وتحقيقها بالفعالية المطلوبة، ليقوم المسؤول في مرحلة ثانية بتقديم تقرير يصف فيه مدى نجاعة تنفيذ مختلف المهام، ليتحول بعدها مباشرة إلى المساءلة، التي تأخذ شكلا هرميا، يساءل فيه الجميع، كل حسب مسؤوليته، حيث تبدأ المساءلة والمحاسبة من قاعدة الهرم وصولا إلى أعلى سلطة إدارية.

من هنا تبرز أهمية ترسيخ مبادئ الإدارة بالأهداف والنتائج، ومدى ترابط معايير الحكامة الإدارية، حيث لا يمكن تبني أحدهما بمعزل عن الآخر، فالمساءلة تتم تبعا لتلك النتائج، حيث الكل يكون مسؤولا عن أداء مهام يسأل عنها ويحاسب على نتائجها المحددة مسبقا . ولا يكفي أن تتم المساءلة هرميا من طرف المرؤوسين، أو من جهة خارجية، والتي تتم بشكل انتقائي مع عدم وجود أي التزام قانوني يحتم المحاسبة، بل إن الأمر يستوجب أن يكون إلى جانب المساءلة الإدارية، التي تقوم بها الأجهزة الرقابية المستقلة المكلفة بذلك، المساءلة التي يقوم بها المجتمع المدني والرأي العام ووسائل الإعلام، حتى يتم تجاوز تلك العلاقات التي غالبا ما تحكمها المصالح السياسية، التي تنعكس سلبا على فعالية التقارير المنجزة ومدى صلاحيتها.

وهنا نتساءل عن مدى كفاءة هذه التقارير وكيفية تفعيل التوصيات التي تتضمنها، وماهية الإجراءات المتخذة حيال ما يرد فيها. ألم تتم صياغة تلك التقارير لمحاربة الفساد ومساءلة كل ذي مسؤولية عن فعالية عمله ؟ الجواب بنعم يحيلنا إلى التساؤل عن مدى كفاءة وفعالية تلك المساءلة التي تقوم بها هذه الأجهزة أساسا.
فلضمان تحقيق مبدأ استمرارية خدمات المرفق العمومي وتحقيق المصلحة العامة، لابد من تفعيل هذه المبادئ مجتمعة، وهو أمر لن يتم بلوغه إلا بوضع تصور استراتيجي واقعي لجميع التطورات الآنية والمستقبلية، مع الأخذ بعين الإعتبار خدمة المصلحة العامة من جهة، والمحافظة على المال العام من جهة أخرى

إن التخليق الأمثل للمرفق العمومي، ومساءلة كل ذي مسؤولية ومحاسبته، لا يمكن أن يتم بمعزل عن إشراك حقيقي للرأي العام ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، الأمر الذي سيساهم بصورة مباشرة في ترسيخ تدبير عمومي جيد فعال وتنافسي.
كما أن التحديث الإداري الجيد، يلزم الإدارة بإعادة الإعتبار للأخلاقيات والعمل على مراعاة ضوابط حسن التدبير، كما يقتضي ضرورة تحريك المساءلة بعد العملية الرقابية مباشرة، والتأكيد على أهميتها في تهذيب الحياة الإدارية . ويتطلب تطبيق المساءلة في الإدارة العمومية توفر الشروط الآتية :

  • استقلالية أجهزة المساءلة وتقويتها؛
  • تقوية دور السلطة القضائية ؛
  • ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، من خلال تطبيق إجراءات واضحة وفعالة وفرض عقوبات لتعزيز المساءلة ومكافحة الفساد؛
  • تحديد فترة المساءلة زمنيا موازاة مع تخطيط تضعه الإدارات العمومية؛
  • إلزام الإدارات بتقديم تقرير سنوي عن حصيلة عملها؛
  • تعزيز سيادة القانون ومكافحة الإفلات من العقوبة؛
  • تفعيل دور الإعلام في نشر مختلف التقارير ومناقشة نتائجها وتتبع تنفيذ توصياتها.
انطلاقا مما سبق تتضح لنا أهمية ومبررات اعتماد الحكامة الإدارية كأسلوب جديد في تدبير الأزمات الإدارية، التي تعاظمت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، وتجاوزها لتحقيق التنمية الإدارية، بصفة خاصة، والشاملة بصفة عامة، والتي يجب أن تلعب الدولة الدور الأساسي والمحوري في ضمان تطبيقها، على اعتبار أنها تستهدف بالدرجة الأولى مؤسساتها، مما يعني أن هذه المؤسسات هي موضوع الحكامة الإدارية، وطرفا مهما في الوقت نفسه في إنجاحها.

إن الحكامة الإدارية كمطلب، وكأسلوب جديد في التدبير والتسيير، تسعى إلى توسيع دائرة المشاركة والمسؤولية في تدبير الشأن العام، كما تسعى إلى تقوية وظيفة المحاسبة والمراقبة من طرف المجتمع المدني والدولة معا، ضمن إطار قانوني ومؤسساتي، من شأنه أن يساهم في تدعيم سلوك المواطنة وتكريس مأسسة ودمقرطة العلاقة بين الدولة ومختلف الفاعلين . حيث أن الأداء الإداري لا يؤثر فقط على المرتفق، ولكن يؤثر، إيجابا أو سلبا، على جاذبية الإستثمار، مما يعزز الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي.

إن الإصلاح الإداري إذن، عن طريق اتخاذ إجراءات ومبادرات وعمليات تسعى إلى تقويم ظرفي للاختلالات التي يعرفها الجهاز الإداري، أصبح متجاوزا بالنظر إلى التطورات المتلاحقة والرهانات الصعبة التي تعرفها الإدارة، الأمر الذي يجعل إنجاز أي عملية إصلاحية، دون تبني تغيرات حقيقة متواصلة وشاملة، تسييرا وتنظيما ومشاركة ورقابة، إجراءا قاصرا عن بلوغ الأهداف المرسومة . لقد أصبحت مسألة توفير مناخ الثقة والإستقرار أمرا لا يحتمل التأجيل والتماطل، حتى يمكن خلق إدارة خدومة متحررة من العيوب والإختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية اليوم، فهذه الإختلالات لم تعد مقبولة في ظل دستور حديث يضع المقومات الأساسية لتجاوز مجمل الأعطاب التي تعاني منها الإدارة العمومية، أعطاب استمدت جذورها من التراكمات السلبية للممارسات التقليدية، والتي أصبحت تقليدانية.

الهوامش:
(1) ـ عبد الله الإدريسي، منطلقات من أجل إصلاح البنيات الإدارية المحليةـ المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 6/1996ـ سلسلة قضايا الساعة، ص 61.
(2) ـ دورية لكاتب الدولة رايموند مورسيلون التي تتعلق بالتحديث الإداري، وكذا منشور الوزير الأول حول حسن استقبال المواطن وإرشاده عدد 59 بتاريخ 28-04-1995.
(3) – L’amélioration de l’accueil dans les services publics,
(4) – Bernard Cardiard et Galle Vallet, rapport sur l’amélioration de l’accueil des usagers dans l’administration, documentation française ,rapport officiel – SGG-.
(5) – L’amélioration de l’accueil dans les services publics, Op.Cit., p. 2.
(6) – Michel Charpentier, Philippe Grandjean : Secteur public et contrôle de gestion : Pratiques, enjeux et limites, Ed. D’Organisations, Paris, 1998, p.56.
(7) – Paul Mali , How To Manage By Objectives, John Wiley Andsons 1975, p.3.
(8) – J .Chevalier, La participation dans l’administration française, Bulletin de l’ IIAP, n 37 /1976, P. 105 .
(9) – J .Chevalier el Loschak.d, Sciences administratives, L.G.D.J., Tome 2 1978, P. 94.
(10) – Secrétariat du conseil du trésor Québec, Modernisation de la gestion publique, Guide sur la gestion axée sur les résultats ; Juin 2002, p.9 .
(11) ـ تبنت كذلك كل من ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا إصلاحاً إدارياً ركز على مفهوم الإدارة على أساس تحقيق النتائج، بحيث يتم إعطاء صلاحيات واسعة لرؤساء الأجهزة التنفيذية، كالتي تعطى لرؤساء الأجهزة في القطاع الخاص، ومحاسبتهم على النتائج ومطالبة كل جهاز بثلاثة أمور :
إعداد خطط إستراتيجية لتوضيح أهداف كل جهاز لموظفي الجهاز والمستفيدين منه؛
وضع خطط عملياتية لترجمة الخطط الإستراتيجية إلى أهداف تفصيلية؛
استخدام مقاييس الأداء للتحقق من تقدم كل جهاز أو قسم نحو تحقيق الأهداف .
(12) – Secrétariat du conseil du trésor Québec, Op.,Cit., p. 6.
(13) وتتمثل في:
الأخذ بعين الإعتبار عند اختيار الأهداف توقعات المواطنين من الإدارة مقارنة بالموارد المتاحة؛
تحقيق النتائج انطلاقا من أهداف حددت مسبقا؛
مرونة أكبر في تسيير الإدارة والتي تتجلى في تبني تخفيف و تسهيل المساطر الإدارية؛
تقديم تقرير عن الأداء في تحقيق النتائج؛
لإستخدام الأمثل للموارد الحكومية؛
زيادة الشفافية في الأنشطة الحكومية عن طريق إصدار تقارير سنوية عن عمل مختلف الإدارات.
(14) ـ انخرط المغرب سنة 2001، من خلال دورية الوزير الأول عدد 12/2001 بتاريخ 25/12/2001، في إرساء التدبير المرتكز على النتائج، إلا أن هذه العملية تبقى دون نتائج تذكر على الرغم مما ستوفره من فعالية في الأداء وتوفير سياسات قابلة للقياس من طرف المواطنين و بالتالي تحديد الحاجيات والأولويات وتجاوز مرحلة التشخيص إلى مرحلة التنفيذ.
(15) ـ فاطمة الزهراء علام: الحكامة الادارية دعامة أساسية لتحديث الادارة العمومية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام جامعة الحسن الأول سطات ،2016-2017 ص،301.
(16) نفس المرجع السابق، ص 70.
(17) نفس المرجع السابق، ص 73.
(18) “إذا كان المغرب قد خطا خطوات هامة في ميدان المراقبة، واتخذ في هذا المجال عدة إجراءات دستورية وقانونية وتنظيمية لتفعيل منظومته الرقابية، فإننا آلينا على أنفسنا، منذ تولينا عرش أسلافنا المنعمين، مضاعفة الجهود من أجل ترسيخ مبادئ الشفافية و تحصين العمل الإداري من كل الإنحرافات والإنزلاقات، وتوجيه تصرفات المسؤولين توجيها صحيحا قوامه الأخلاق الحميدة وخدمة الصالح العام”، مقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الدورة السابعة للجمعية العامة للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية و المحاسبة (أرابوساي).
(19) – Chamber, al, Internal Auditing, Pitman Publishing, LONDON, 1990, p. 54 .
(20) – Institut Français d’Audit et des consultants Internes. Ifaci, 2004 . +
أنظر: علام فاطم الزهراء :التدقيق الداخلي لتدبير عمومي جديد ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، سطات 2012، ص،67.
(21) ـ احتمال تحقيق الأهداف، وغايات وخطط الإدارة، تنظيم و توجيه الأداء بطريقة سليمة وجيدة لضمان تحقيق الأهداف المسطرة.أنظر
The Institute Of Internal Auditors, «glossary»,”Available at : www.theiia.org/guidance/standards-and-guidance/ippf/standards/full-standards/i=8317″,
بالنسبة لمعهد المدققين الداخليين اعتبرها ” الخطة التنظيمية والسجلات والإجراءات التي تهدف إلى المحافظة على موجودات الإدارة، وضمان كفاية استخدامها، والتأكد من سلامة ودقة السجلات المحاسبية . بحيث تسمح بإعداد بيانات مالية معتمدة ومحضرة طبقاً للمبادئ المحاسبية المتعارف عليها.”
وعرفتها لجنة حماية المنظمات (COSO)، المنبثقة عن المعهد الأمريكي للمحاسبيين القانونيين، بأنها ” العملية المتخذة من طرف الإدارة والموظفين الآخرين من أجل ضمان تحقيق أهداف الإدارة وفعالية وكفاءة عملياتها، اعتمادا على التقارير المالية، والالتزام بالقوانين والنظم ” . ومن خلال هذا التعريف يمكن استخلاص الملاحظات التالية :
ـ الرقابة الداخلية هي عملية، أي وسيلة لتحقيق غاية و ليس غاية في حد ذاتها؛
ـ الرقابة الداخلية ليست مجرد سياسات و مساطر و إجراءات موثقة بل خطة من وضع أشخاص من داخل الإدارة؛
ـ يمكن للرقابة الداخلية ان توفر ضمانات معقولة ولكن غير مطلقة للإدارة؛
توجه الرقابة الداخلية لتحقيق أهداف الإدارة، وقد يكون هدفا واحدا أو مجموعة من الأهداف المتداخلة فيما بينها.
-Committee Of Sponsoring Organizations Of The Tread way Commission, «Resource», [on line], “COSO defines internal control as a process, effected by an entity’s board of directors, management and other personnel. This process is designed to provide reasonable assurance regarding the achievement of objectives in effectiveness and efficiency of operations, reliability of financial reporting, and compliance with applicable laws and regulations.
Internal control is a process. It is a means to an end, not an end in itself.
Internal control is not merely documented by policy manuals and forms. Rather, it is put in by people at every level of an organization.
Internal control can provide only reasonable assurance, not absolute assurance, to an entity’s management and board.
Internal control is geared to the achievement of objectives in one or more separate but overlapping categories
(22) ـ التعريف نفسه قدمه الاتحاد الدولي للمحاسبيين IFAC لنظام الرقابة الداخلية سنة 2001
(23) رنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2003 “نحو إقامة مجتمع المعرفة”، ص 118.
(24) – Mark Bovens, PUBLIC ACCOUNTABILITY , Paper for the EGPA annual conference, Oeiras Portugal, September 3-6, 2003 (Ethics and integrity of governance), Utrecht School of Governance Utrecht University, p. 5.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

للمزيد من الوثائق والموارد تابعونا على قناة ومجموعة تعليم بريس
القناة على الواتساب || https://bit.ly/3OTwonv
القناة على التلغرام || https://t.me/taalimpress
المجموعة على التلغرام || https://t.me/Taalimpress1
790431725383895591
https://www.taalimpress.info/