الهجرة التربوية نحو العالم الرقمي

أكتوبر 06, 2017 أكتوبر 06, 2017
-A A +A
تعليم بريس :

الهجرة التربوية نحو العالم الرقمي

إبراهيم حتيش
كلّنا نعلم أن تلميذ المستوى الابتدائي يحمل محفظة ثقيلة لا تناسب بنيته الجسمية، وذلك من شهر شتنبر إلى شهر يونيو (خريفا، شتاء، ربيعا، إلى بداية الصيف) ستة أيام في الأسبوع وهو لازال في طور النموّ! وبما أنّ كثلة هذه الكتب و الادوات تغطي كل الموسم الدراسي ، فإن نصفها الأول مخصص للدورة الأولى، ونصفها الثاني للدورة الثانية، والمسكين مُجبرٌ على حمل الكل طيلة الموسم !! وهل تعلم أنّه لا يَستعمل من هذه الأدوات في اليوم أكثر ممَّا تزن ساعة اليد (باعتبار عدد الصفحات التي يستعملها في مختلف المواد ليقرأها أو يكتب فيها)، أي هناك وزن زائد يمثل أكثر من % 95 من وزن الأدوات المدرسية تضغط يوميا على فقرات ظهره الفتية على طول طريقه بين المدرسة و البيت.

أحلم باختيار آخر... أحلم بصيغة جديدة للمدرسة. أتمنى نسخة رقمية، ذكية للمدرسة المغربية حيث التسجيل بها يتم عن طريق فتح حساب إلكتروني تربوي ) على شاكلة الحساب البنكي( تحت إشراف الوزارة الوصية. مدرسة حيث الدروس و التمارين بطبيعة رقمية، تفاعلية، تجعل المتعلّم نشيطا غير سلبي في العملية التعليمية – التعلّمية، متنوعة الأهداف والمراقي، كما أنها موزعة على " مستويات التحصيل " على شاكلة المستويات الدراسية. مدرسة يلِجُها التلميذ متى يناسبه ذلك عوض المواعيد الدراسية القاسية المثبّتة غالبا بإكراه في استعمالات الزمن التي تمتص ســــــاعــــــات طوال لأطفال صغار لأسابيع وشهــــــــور وأعوام. أحلم بمدرسة رقمية حيث المحفظة الثقيلة وجدران الأقسام والأسوار يعوّضها حاسوب أو لوحة إلكترونية أو هاتف ذكيّ متصل بالأنترنت. حيث مئات الآلاف من المدرّسين يعوّضهم برنامج معلوماتي واضح، شامل، آمن، محكم، قابل للتحيين والضبط بسلاسة. مدرسةٌ رقمية لا تُعلّم ولكن تساعد على التَعلّم، عادلة، ديموقراطية، تحتضن على حد سواء: السوي و المعاق، السليم و المريض، الغني و الفقير، الصغير و الكبير، الذكي و المتعثّر، السريع و البطيء، الطليق و السجين، الدّاني من الخدمات و القَصيّ منها )كأبناء الرُّحّل و القرى النائية (. مدرسة يتقدم في التحصيل عبرها التلميذ بإيقاعه الخاص، ويتقدم بطلب موعد لاجتياز امتحان الصعود إلى الدور الموالي متى شعر بجاهزيته لذلك. مدرسة تَـتَـتَـبَّع نِقاط الضُّعف و نقاط القوة للتلميذ من خلال إنجازاته الرقمية المتنوعة، فتقترح عليه عبر حسابه التربوي الرقمي أنشطة دعم مناسبة. بل أكثر من ذلك، تحتفظ بأرشيف لكل أجوبته القويّة لترسم عبره توجيها مستقبليا مناسبا لشخصيته.

تخيّلوا معي كم ستوفر هذه المدرسة من الوقت للأطفال و المراهقين كي يتمتّعوا بالّلعب ويصقلوا مواهبهم غير الدراسية. وكم ستوفر من المنشآت التربوية التي يمكن تحويلها إلى فضاءات التفاعل الاجتماعي و الإبداع بعيدة عن الواجبات الثقيلة و الفروض الجانية وذلك في إطار الأنشطة الموازية كالرسم و المسرح و الموسيقى و الرياضة و غيرها بإشراف من جهات أخرى كالشبيبة والراضة ووزارة الثقافة و الجمعيات وغيرها. تخيّلوا كم سنُوفّر من الموارد البشرية التي قد نحوّل وظائفها و مناصبها المالية إلى القطاعات الأخرى التي تشكوا بدورها خصاصا في الموارد البشرية " الصحة و الأمن مثلا " تصوروا كم سنتجاوز من المشاكل المرتبطة مباشرة بنظامنا التربوي الحالي العليل كالعنف المدرسي على سبيل الذكر لا الحصر. مدرسة آن زمان ولادتها في ضلّ عالم تتزايد فيه الحاجيات و الطلبات على المواد والخدمات مقابل تراجع الموارد؛ خصوصا و أن المعلوميات في عصرنا اليوم تسهل علينا ما لم نجرؤ يوما على الحلم به وتمنحنا التقنية التي تمكِّننا من تصميم منظوماتنا التربوية وغيرها حسب توجهاتنا الإستراتيجية مع إمكانية التحيين و التعديل بسهولة ومجَّانية.

قد يبدو حُلمي من الخيال التربوي لكن يستحق التمعن، خصوصا إذا استحضرنا حجم الرصيد المالــــــي و الزمني و الجهد الذي يُرصد و يُصرف على مدرستنا اليوم بقسميها الخارجي و الداخلي مقابل ما نجنيه من نتائج ضعيفة إنْ على مستوى التحصيل المعرفي أو على مستوى منظومة القيم المنتَجَة. في حين لا أظن أن الصيغة الرقمية للمدرسة المغربية ستكلّف الكثير. كما أن انطلاق تجريبها قد يبدأ بشكل تدريجي، موازي و اختياري في انتظار أن تَسْحَبَ البِساط تدريجيا من تحت المدرسة بصيغتها الحالية الكلاسيكية المُرهِقة و المُستنزفة لكل الأطراف حكومةً و شعباً .
إبراهيم حتيش


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

للمزيد من الوثائق والموارد تابعونا على قناة ومجموعة تعليم بريس
القناة على الواتساب || https://bit.ly/3OTwonv
القناة على التلغرام || https://t.me/taalimpress
المجموعة على التلغرام || https://t.me/Taalimpress1
790431725383895591
https://www.taalimpress.info/